للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلا يقبلون رواية الواحد، ويطالبون من يروي لهم حديثاً عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بإقامة بينة. فقد جاء في "الصحيحين ": أن عمر بن الخطاب قال لأبي موسى الأشعري حين روى له حديث الاستئذان: لتأتيني على هذا بالبينة، فقام أبو سعيد الخدري، فشهد معه، فقال عمر لأبي موسى: إني لم أتهمك، ولكن الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وروى الحاكم: أن أبا بكر الصديق زكاته قال للمغيرة حين روى حديث إعطاء الجدة السدس: ومن سمع ذلك معك؟ فشهد محمد بن سلمة.

والعبرة في هاتين القصتين: أن أبا بكر، وعمر طلبا البينة من رجلين من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عرفاهما بكمال التقوى والأمانة، حتى إذا عرف الناس أن خبر الواحد لا يقبل بغير بينة، لم يتجاسر المنافقون وأصحاب الأهواء الذين يستعيرون سمات المتقين على أن يحدّثوا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا أن يقيموا على ذلك بينة عادلة.

اختلف أهل العلم في حكم الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فذهب الجمهور إلى أنه معصية كبرى. وقال أبو محمد الجويني والد إمام الحرمين: إن من تعمد الكذب على رسول الله يكفر كفراً يخرجه عن الملة. وتبعه في هذه الفتوى طائفة، منهم: ناصر الدين بن المنير من أئمة المالكية. ومن أدلة هؤلاء: أن الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذب على الله؛ فإنه ما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى. وقال تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} [الأنعام: ١٤٤]، وقال: {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ} [النحل: ١٠٥] والمراد: افتراء الكذب على الله ورسوله، لا مطلق الكذب؛ فإن الكذب؛ على غيرهما لا يبلغ أن يخرج بصاحبه من دائرة الإيمان،