ولا يصح قصره على الذين لا يؤمنون بآيات الله. وممن نص على الخلاف في تكفير من كذب على الله: الإمام ابن عرفة في "تفسيره"؛ إذ قال عند قوله تعالى:{وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ}[المائدة: ١٠٣]: إن من كذب على الله مستحلاً، فهو كافر بإجماع، وكذلك من كذب فيما هو معلوم من الدين ضرورة. وإن كان غير مستحل، فهو محل الخلاف.
وقد صدرت من علماء الشريعة مقالات في تشديد العقوبة على من يختلق الأحاديث، فقال ابن عيينة في معلى بن هلال لما روي له عنه حديث موضوع: إن كان معلى يحدث بهذا الحديث عن أبي نجيح، فما أحوجه أن يضرب عليه. وسئل الإمام البخاري عن حديث موضوع، فكتب على ظهر كتاب السائل: من حدّث بهذا، استوجب له الضرب الشديد، والحبس الطويل. وقال يحيى بن معين في سويد الأنباري الواضع لحديث:"من عشق وعف وكتم": هو حلال الدم. وقال: لو كان لي فرس ورمح، غزوت سويداً.
وقد بذل علماء الحديث مجهودهم في نقد الأحاديث، وتمييز طيبها من خبيثها، ففتحوا باب الجرح في الرواة على مصراعيه، ولم يخشوا أن يكون ذلك من باب الغيبة والطعن في الأعراض. قيل ليحيى بن سعيد القطان: أما تخشى أن يكون هؤلاء الذين تركت حديثهم خصماء لك عند الله تعالى؟ فقال: لأن يكون هؤلاء خصمائي أحبُّ إليَّ من أن يكون النبي - عليه السلام - خصمي، يقول: لِمَ لم تذبَّ الكذب عن حديثي.
وكان سفيان الثوري يقول: فلان ضعيف، وفلان لا تأخذوا عنه، وكان لا يرى ذلك غيبة. وسئل مالك، وسعد، وابن عيينة عن الرجل لا يكون بذاك