وأما معناها في الاصطلاح، فقد أشار القرافي إلى صعوبة ضبطه، فقال: أقمت سنين أسأل، أطلب الفرق بين الشهادة والرواية، وأسأل الفضلاء عنها، فيقولون: الشهادة يشترط فيها: العدد والذكورة والحرية؛ بخلاف الرواية. فأقول لهم: اشتراط ذلك فرع تصورها، فلو عرفت بأحكامها، لزم الدور، ثم قال "ولم أزل في شدة قلق حتى طالعت "شرح البرهان" للمازري، فوجدته قد حقق ذلك، وميَّز بين الأمرين، فقال "هما خبران، غير أن المخبر عنه إن كان عاماً لا يختص بمعين، فهو الرواية؛ كقوله - عليه الصلاة والسلام -: "الأعمال بالنيات" فإن ذلك لا يختص بشخص معين، بل عام في كل الخلق؛ بخلاف قول العدل عند الحاكم: لهذا عند هذا دينار، فإنه إلزام معين لا يتعداه، والأول هو الرواية، والثاني هو الشهادة".
وقد زاد بعض الفقهاء هذا الفرق تحقيقاً، فقال "إنَّ الخبر إنْ تعلق بجزئي، وقصد به ترتيب فصل القضاء عليه؛ كقولك: لفلان على فلان كذا، فهو الشهادة، وإن تعلق بأمر عام لا يختص بمعين، أو تعلّق بجزئي من غير قصد ترتيب فصل القضاء عليه؛ كحديث:"يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة"، ونحوه، فهو الرواية، وقد أوجز هذا المعنى من الأصوليين من قال:"الإخبار عن عام لا ترافع فيه الرواية، وخلافه الشهادة".
وقد عزَف الشهادة بعض فقهاء الحنفية، فقال:"إخبار صدق لإثبات حق بلفظ الشهادة في مجلس القاضي، ولو بلا دعوى"(١).
فقوله:(إخبار) جنس، وقوله:(صدق) فصل أخرج الإخبار الكاذب، وقوله:(لإثبات حق) أخرج الإخبار الذي يكون لغرض غير إثبات الحق،