للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يرى حُماة الإنسانية، وأنصار الحقيقة، كيف يتخبط الشعب التونسي تحت نير من الاضطهاد، لا يمكنه المقام معه على هدوء وسكينة، وإن بلغ من الأناة وحبّ السلم أشدَّهما.

رأت فرنسا كيف أنفذت في التسلط على التونسيين كل ما تملك من قسوة، فبدا لها أن تفتح في سور سياستها الضاغطة منفذاً يردّدون منه أنفاس الحرية، ويمرقون منه إلى مستوى الكرامة عندها، فلم تسمح لها طبيعة الاستعمار -لسوء حظّهم- إِلا بأن تخلع عليهم ثوب التجنس بالقومية الفرنسية.

اشتد حنق التونسيين لهذا القانون، فجاءت صحفهم طافحة باحتجاجات بالغة، ومقالات تغلي كالمراجل غيظاً وجزعاً، وتنذر الشعب بما يجرّه ذلك القانون في أذياله من العواقب المشؤومة على حال الاجتماع والسياسة، ولكن عميد فرنسا في تونس تلقى ذلك السخط العام وشرار الشكوى المتطاير حوله بمنتهى الاستخفاف والغطرسة؛ فإنه لا يدري أن الأمة التونسية قد ارتقى بها الشعور والاعتبار بتاريخها المجيد إلى صفوف أولي العزم من الأمم، فإذا أحست مكيدة تدبر لها، أو مظلمة تحمل على عاتقها، أرهفت حدَّ الرأي والعزيمة، ولا تنفك تصارع من يحاول حرمانها من التمتع بما تتمتع به أمثالها من الأمم المستقلة؛ حتى تفوز ببغيتها، ويطلع فجر الحرية الصادقة في أفق سياستها.

ومن شاء أن يقضي العجب، فليقضه من جواب ذلك العميد إذ تظاهر بالعجب من هذه الثورة الفكرية المزعجة، قائلاً: "إن فرنسا لم تضع هذا القانون على وجه الإكراه، وللتونسي الذي يراه مخالفاً لدينه أن يحتفظ بقوميته".

ليتني أعلم كيف نطق لسان ذلك العميد بهذا الجواب، وهو يدري،