وكل أحد يدري: أن للسلطة المتصرفة في البلاد التونسية قلبين: قلباً مشتقاً من الفظاظة والجور، وهو الذي تحمله ضد الوطنيين، وقلباً مزاجه الرأفة، وملؤه العطف والسخاء، وهو ما تحمله في صدرها عندما تدير أمور الفرنسيين أو المتفرنسين.
وهذه المفاضلة المخجلة المزرية هي التي سهلت على فرنسا أن تصدر قانون التجنس في صورة الاختيار؛ حيث ترجو من أراذل القوم، ومن هم بمنزلة سقط المتاع: أن يهرعوا إليها، ويمدّوا سواعدهم لاعتناق قوميتها؛ حرصاً على جاه مصطنع، أو لذة عاجلة.
ففرنسا تعلم حقَّ العلم أن هدمها لقاعدة المساواة بين الوطني والمتفرنس، ورفع هذا إلى مقام السيادة والسيطرة على الآخر، يغني غناء الإكراه، ويقوم مقام إجرائه بالقوة القاهرة.
ولو كانت السلطة النافذة في تونس مفرغة في قالب العدل، ومدبرة لشؤون المتفرنس والوطني على النظام الذي تقتضيه حال الجماعة المشتركة في وطن واحد، لم ترض فرنسا أن تخرج هذا القانون في صيغة الاختيار، وعلى فرض أن تخرجه كذلك، وقانون المساواة مطرد، لم يكن لوقعه أثر غير استهانتها بشرف الحكومة؛ إذ من المحال أن يدور في خلد وطنيّ -وإن بلغ في السَّفَه بانحطاط الهمة الأمد الأقصى- أن يعتنق القومية الفرنسية مزدرياً بشرف قوميته، وحكمة شريعته.
نصبت فرنسا حبالة هذا القانون في بلاد الجزائر يوم كان الجهل بقيمة القومية معششاً في كثير من الأدمغة، فاستدرجت به نفراً كان من شأنهم الممقوت أن يشمخوا بأنوفهم كبراً وخيلاء، ويدوسوا حقوق قومهم الأولين بأرجل آثمة،