ولم تعدم الحكومة أن تتخذ من أمثالهم أفواهاً تطفئ بها نور الشعور من نفوس الوطنيين، ومعاول تنقض بها كل حجر يضعونه في أساس نهضتهم.
لقد كان في قصص هؤلاء المتفرنسين عبرة لأولي الألباب من التونسيين، وهي ما جعلتهم يحذرون من أن تمسخ نفوس منهم، وتصير بطبيعة التجنّس الفرنسي كالخوافي، بل القوادم للسلطة المستعمرة، فيزداد الشعب من بلائهم حنقاً على حنق، وربما عجل به ذلك الحنق المتراكم إلى أن تنقلب أناته عزماً نافذاً، وأنفاسه المكتومة شرراً متصاعداً، فينحل وكاء فتنة تفشل يد القوة الحاكمة عن وقف سيلها الجارف، وإعادة الراحة إلى قرارها المكين.
فإذا عمي على فرنسا سوء طالع هذا القانون، وأصرت على نفاذه؛ بالرغم من احتجاجات الأمة، ومظاهر استيائها الأليم، فقد بقي في يد زعمائها سبل لعلاج هذا الداء الفاتك، لا تستطيع أية قوة أن تسدّها في وجوههم، ومن بين هذه السبل: تلقين الشعب واجباته الإسلامية الاجتماعية، وجعله على بصيرة من أن مقتضى التجنس بالقومية الفرنسية أن يقاتل تحت راية فرنسا، وإن كانت هاجمة على جماعة من إخوانه لغة وديناً، وهم في عقر دارهم آمنين. ولا جرم أن الانضمام إلى صفوف المخالفين -إذا اشتبكوا في حرب مع المسلمين- نزول إلى حضيض الارتداد عن الاسلام، ونكث لليد من عروته الوثقى.
فامتشاق الطائفة المتنورة عزماً لا يُغْمد، وإشرابهم في قلوب الوطنيين كراهة الانسلاخ عن الوطنية، والاندماج في قومية المستعمر، مما يفتل عنق ذلك القانون، ويجعله كالمرقوم على صحيفة غدير ماء تخفق عليه أرواح عاصفة.