هذا ما يقوله الكاتب، وقد سمَّاه في صدر المقال: رأياً، وقال: إنه كان يريد إرجاءه إلى حين؛ لأن النفوس لم تتهيأ لفتح باب الاجتهاد، وأن الناس يسرعون إلى التشنيع والطعن في الدين. وقال:"فلا يجد من يرى شيئاً من ذلك إلا أن يكتمه، أو يظهره بين أخصائه ممن يأمن شرهم، ولا يخاف كيدهم "، وقال:"ولكني سأقدم على ما كنت أريد إخفاءه من ذلك إلى حين".
فنحن إذا نقدْنا هذا الذي يقوله الكاتب، فإنما ننقد رأياً كان يخفيه إلى حين، وإن كساه - في آخر المقال - ثوبَ المسائل التي يطرحها خالي الذهن؛ ليعرف وجه الحق مما تحرره أقلام الكاتبين.
من مقاصد الشريعة الغرّاء: حماية الأنفس، والأموال، والأعراض، والأنساب، فعمدت إلى ما يكون الاعتداء به على هذه الحقوق أكثر أو أشد ضرراً، فشرّعت له عقوبة معينة، وفوَّضت ما عدا ذلك إلى ولي الأمر ليجتهد فيه رأيه. فأشدُّ ما يُعتدى به على الأنفس القتلُ، فجعلت عقوبته القصاص، وأغلبُ ما يُعتدى به على الأموال السرقةُ، فجعلت عقوبته قطعَ اليد، وأغلبُ ما يتعدى به على عرض المرأة قذفُها بالزنا، فجعلت عقوبة القاذف أن يجلد ثمانين سوطاً، وأشد ما يُهتك به عرضها، ويجر العار إلى أسرتها، ويدخل الريبة في نسب أبنائها، ويجعلها منبت ذرية يعيشون بين الناس في مهانة وازدراء، فاحشةُ الزنا، فجعلت عقوبة الزاني البكر مئة سوط، والمحصن الرجم. وعقوبة الجلد ثابتة بنص القرآن، وأما الرجم، فثابت بالسنَّة.
وليس مقامنا هذا مقامَ بسط ما يترتب على هذه الجنايات من الفتن، والإخلال بالأمن، ولا بسط ما في إقامة هذه الحدود من حفظ الأنفس والأموال والأعراض، وإنما وجهة نظرنا نصوص آيات حد السرقة، وحد الزنا؛ لننبه على