أن هذه الآيات غير قابلة لذلك التأويل الذي لا يملك أحد تغييره، ولا يصح لمن بيده إنفاذه أن يعدل عنه إلى عقوبة يضعها من نفسه.
ومن ينظر في آيات حد السرقة، وحد الزنا مجرداً من كل هوى، لم يفهم منها سوى أن من يرتكب السرقة، عقوبتُه قطع اليد، ومن يرتكب فاحشة الزنا، عقوبتُه الجلد، وأن الأمر في قوله:{فَاقْطَعُوا}[المائدة: ٣٨]، وقوله:{فَاجْلِدُوا}[النور: ٢] واردٌ في الوجوب القاطع، فإن بناء الأمر بالقطع في آية حد السرقة على قوله:{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ}[المائدة: ٣٨]، وبناء الأمر بالجلد في آية حد الزنا على قوله:{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي}[النور: ٢] يصرفه عن احتمال الإباحة إلى الوجوب، ذلك أن تعليق الحكم على شخص موصوف بوصف يؤذن بأن المقتضي للحكم هو ذلك الوصف الذي قام بالشخص، وإذا كان الوصف جناية؛ مثل: السرقة، والزنا، ووضع لها حكماً في صيغة، ولم يذكر حكماً غيره، لا يصح أن يقال: إن هذا الأمر محتمل للإباحة؛ كما احتملها الأمر في قوله تعالى:{خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ}[الأعراف: ٣١] الآية.
ثم إن اتصال آية السرقة بقوله تعالى:{جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ}[المائدة: ٣٨] صريحٌ في الدلالة على أن الأمر بالقطع للوجوب؛ لأنه واقع في الآية موقع المنبِّه على إن من تحقق فيه وصف السرقة، فهو مستحق لهذه العقوبة (عقوبة القطع)، وإذا قضى الشارع في جناية بعقوبة، وصرح أنها جزاء الجناية؛ أي: إنها على قدر جنايته، لم يكن للأمر بهذه العقوية وجه غير الوجوب، وفي وصفه الحد بأنه "نكال من الله" إيذانٌ بأن من وقف في سبيل إنفاذه، فقد حارب الله، ومن رأى أن غيره من العقوبات أحفظ للمصلحة، فقد زعم أن علمه فوق علم الله.