وما إن وجدت الحكومة فيه عالماً جليلاً، وناقداً مصلحاً، حتى أرادت أن تستفيد من خبرته وسعة اطلاعه، فأشركته معها في كثير من المشروعات الإصلاحية، فكان عضواً في لجنة وضع التاريخ التونسي العام، وعضواً بمجلس النظر في شؤون المدارس، وعضواً في لجنة تنظيم كتب المكتبة الصادقية، والمكتبة الزيتونية، وغيرها من المشروعات العلمية والاجتماعية.
ثم رحل إلى الشام، فاستقبل هنالك استقبالاً حافلاً، وعيّن مدرساً لآداب اللغة العربية في المدرسة السلطانية، وإن أجمل ما توصف بها إقامته هنالك: ما ذكره أحد أعضاء المجمع العلمي (١) في دمشق إذ قال: "أستاذنا الجليل السيد محمد الخضر حسين، علم من أعلام الإسلام، هاجر إلى دمشق في عهد علامتي الشام: الشيخ البيطار، والشيخ القاسمي، فاغتبطا بلقائه، واغتبط بلقائهما، وكنا نلقاه ونزوره معهما، فأحكمت بيننا روابط الصحبة والألفة والود من ذلك العهد، ولما توفي شيخنا القاسمي سنة ١٣٣٢ هـ، لم نجد نحن -معشر تلاميذه- من نقرأ عليه أحبّ إلينا، ولا آثر عندنا من الأستاذ الخضر؛ لما هو متصف به من الرسوخ في العلم، والتواضع في الخلق، والبرّ بالإخوان، وأخذنا منذ ذلك الحين نقتطف ثمار العلوم والآداب من تلكم الروضة الزاهرة، ونرتشف كؤوس الأخلاق من سلسبيل الهدى والتقوى، ولم يكن طلاب المدارس العالية في دمشق بأقل رغبة في دروسه، وإجلالاً لمقامه، وإعجاباً بأخلاقه من إخوانهم طلاب العلوم الشرعيين، بل كانوا كلهم مغتبطين في هذه المحبة والصحبة، مجتمعين حول هذا البدر المنير".
وهكذا كانت مدة إقامته في الشام خالصة لخدمة العلم والدين، وتثقيف