وانتقل والد الشيخ من مسقط رأسه إلى الحاضرة التونسية في العام السادس من هذا القرن ١٣٠٦ هـ، وفيها بدأ يزاول حفظ القرآن الكريم إلى أن أتمّه، ثم أخذ يتعلّم مبادئ العلوم، حيث أدخل إلى جامع الزيتونة، وفيها تتلمذ إلى شيوخ أعلام أمثال المشايخ: عمر بن الشيخ، وسالم بوحاجب، ومحمد النجار، فزاول عنهم المنقول والمعقول إلى أن أحرز على شهادة التطويع سنة ١٣١٦ هـ.
* الإصلاح الاجتماعي:
كانت الروح السائدة في التعليم الزيتوني لا تبعث على الاطمئنان، فالتوكل والتسليم للقضاء والقدر هي كل ما يتحدث به شيوخ الزيتونة إلى تلاميذهم، وقد كان ذلك يفضي إلى طغيان سيادة الجبرية، فإذا جادل مجادل في العمل والكسب، وجاهر بالسعي والعمل المتواصل لخير هذا الوطن، عُدّت عنه أنفاسه، وابتعد منه الخاصة فضلاً عن العامة، وسبب ذلك يرجع في معظمه إلى الجو السياسي الذي غمر البلاد التونسية بعد انتصاب الحماية، واستمرار حالة الحصار سنوات عديدة، فالحكم العسكري، واستمرار حالة الطوارئ جعل أكثر الناس يهمسون برغائبهم المشروعة همساً، وفي آذان بعض الدوائر المسؤولة في الحكومة، أما أن يقوم خطيب على منبر يدعو الناس إلى الإصلاح الاجتماعي أو السياسي، أو تتولى صحيفة محلية القيام بهذا العمل، فذلك ضرب من المحال.
* شجاعة نادرة:
لكن الشيخ الخضر حسين خرق الاجتماع، وتقدم إلى ميدان العمل بخطى ثابتة، فأنشأ مجلة "السعادة العظمى" سنة ١٣٢١ هـ فكانت أول صوت ارتفع