حدَّ التواتر الموجب للعلم، استبان لنا أن المراد من الآيات التي منع من إرسالها: تكذيبُ الأولين آياتٍ خاصة هي ما اقترحته قريش؛ من نحو: إحياء الموتى، على ما ذكره المحدّثون والمفسِّرون في سبب نزول الآية، والمعنى: ما صرفنا عن إرسال ما يقترحونه من الآيات إلا أن أمثالهم من المطبوع على قلوبهم؛ كعاد، وثمود قد كذبوا بها، فتوغُّل المقترحين في الضلال إلى حد مَن لا يُرجى منه الانتفاع بالآيات يجعل إرسالَ الآيات التي اقترحوها بعد إراءتهم آيات تثبت الرسالة، وتقوم عليهم حجة، خالياً من الفائدة، وعدم إرسال هذه الآيات المقترحة لا يقتضي أن لا يظهر على يده - صلى الله عليه وسلم - آية من غيرها لم تقترح عليه، أو اقترحها عليه غيرُ من نزلت فيهم آية:{وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ}[الإسراء: ٥٩]، فهذه الآية - بملاحظة أنها نزلت في آيات خاصة اقترحها عليه قوم بأعيانهم - لا تدل أن الله لا يرسل أي آية من غيرها.
ينكر ذلك المؤول المعجزات، فأخذ يتقصى الآياتِ الواردةَ في شأنها، وينحو بها نحواً يخرجها عن أن يكون فيما تدل عليه خارق للعادة، ولا يندى جبينهُ حياءً أن يتعسف في التأويل، فيأتي به بعيداً من مواقع حسن البيان، خارجاً عن المعقول من دلالة الألفاظ.
فانظر ماذا صنع في قوله تعالى:{وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ}[الأعراف: ١١٧]، فقد ذهب بالعصا إلى معنى الحجَّة، وقال:"يصور لنا كيف كشفت حجته تزييف حجتهم حتى سلموا له وآمنوا به".
وقال في قوله تعالى:{أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ}، وقوله تعالى: {اسْلُكْ يَدَكَ