فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ} [القصص: ٣٢]: "تفهم من تمثيل هذه الرواية أن الله أعد موسى، وهيَّأة للدعوة، وأراه كَيف يتغلب على خصمهِ بالبرهان والحجة".
وقال عند قوله تعالى: {فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ (١٠٧) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ} [الأعراف: ١٠٧، ١٠٨]: "انظر كيف يكون التمثيل في قوة الحجة والبرهان".
وقد اتبع المؤول في هذه مهذار البهائية المسمى: أبا الفضل؛ فقد ذكر في (ص ٥١) من كتابه المسمى: "الدرر البهية": أن أهل الفضل - فيما يزعم - فسروا العصا بأمر الله وحكمه، وقال: إن موسى - عليه السلام - بهذه العصا غلب على فرعون وجنوده، ومحا حبائل عتوه وجحوده، وذكر في (صفحة ٥٣) من ذلك الكتاب: أن اليد البيضاء عبَّر بها عن الرسالة.
في القرآن مجاز واستعارة وكناية، ولكنه يسلك هذه الطرق على الوجه الذي يأتيه البلغاء من العرب، وشأن البلغاء أن لا يخرجوا عن الحقيقة إلى أحد هذه الطرق إلا أن يكون سهل المأخذ، واضحَ المقصد، أما ما يبدو على وجهه تكلف، أو يكون في دلالته التواء، فمعدود في معيب الكلام، وداخل فيما يذهب بمزية الفصاحة، وتأويلُ الآيات - على ما قاله المؤول وسلفه البهائي - يجعلها من قبيل المجاز الذي ينبو عنه الذوق؛ لتعسفه، ويبعد منه الفهم؛ لخلوه من القرينة المشيرة إلى أنه مستعمل في غير ما وُضع له، فالمؤول ومعلمُه البهائي لم يقدروا الله حقَّ قدره؛ إذ صرفوا كلامه عما يدل على سعة قدرته، وخرجوا به عن حدود البلاغة، وهو مثلها الأعلى، والمختص بذروتها القصوى.