بكل ما أوتي من جهد من أجل تجاوز السلبيات، وهجر القوالب العقيمة، وإزاحة العوائق، وإجلاء سحب القتامة والظلام الحاجبة للرؤيا، والقابعة على الآفاق، تخنق الأمل، وتسدّ فرج النور والحياة. ومما يؤثر عنه: أنه دعا بحماس إلى فتح باب الاجتهاد، واستئنافِ آلياته من جديد، ونادى إلى حرية الرأي والتعبير، وانعتاق الإنسان التونسي بهدف بناء العقل، وتطوير أساليب التفكير التي لم تعد تواكب العصر. فتألب عليه المتزمتون والمحافظون، وعارضوه، وسعوا إلى النيل منه واضطهاده، لكن ذلك لم يثنه عن التشبث بقناعاته المستنيرة ..
٢ - كان صاحبنا -إلى جانب صفاته الإصلاحية- شعلة من نار على أعداء الشعب، خصوصاً الاستعمار الذي احتل البلاد، واستعبد رقاب العباد. وفي هذا الإطار، رفع محمد الخضر حسين لواء الثورة الشاملة ضد قوات الاحتلال، واغتنم فرصة سفراته، وإقامته بالشام ومصر وألمانيا والجزائر؛ ليحرّض إخوانه المغاربة، وفي مقدمتهم التونسيين؛ لمقاومة الحماية الفرنسية، وكان يحفزهم ويؤلبهم حتى يكافحوا كفاحاً مستميتاً بهدف تقويض صرح العدو، وانتزاع حرية الوطن، والتخلص من ربقة الاحتلال. وقد أسس بمصر لهذا الغرض في سنة ١٩٢٣ م جمعية "تعاون جاليات شمال إفريقيا"، ثم أنشأ بعد الحرب العالمية الثانية "جبهة الدفاع عن شمال إفريقيا"، التي كان لها دور فعال في شد أزر الزعماء والمقاومين، وإبلاع صوتهم إلى المنظمات العالمية. . . وتضايقت فرنسا وقتها من نشاط الخضر حسين، فأصدرت عليه غيابياً حكماً بالإعدام وهو مقيم بدمشق، فهاجر إلى مصر لاجئاً حيث واصل نضاله إلى أن مات.
٣ - ولعلّ الصفة الضاربة لرائدنا خلال حياته المليئة بالنشاط والحيوية،