شرفني كتابكم، فحرَّك من النفس ساكناً، ومن الشوق إليكم كامناً، ذلك أن أهل العلم من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - على الخصوص، وإن تباعدت جسومهم، وافترقوا بالعناصر المادية، فما كان ذلك سارياً على أرواحهم؛ لسموّ عنصرها عن القيد إلى الإطلاق، فهم متعارفون متآلفون. من يوم طربوا من لذيذ خطاب: ألست، فقالوا: بلى. فمنَّ الله عليهم بأنس المحبة والاجتماع، ووقاهم الوحشة والافتراق، كما أخبرنا بذلك كامل الأخلاق، فيما رواه الأثبات الثقات:"الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف". وحاشا أن تتناكر أرواح خدّام العلم وجنود الإسلام.
أيها السيد! قد عرَّفتُك بالرغبة المُلِحَّة مني على أستاذي ومولاي (الخضر) في أن أحيط علماً بكل ما يتعلق به، أو يقاربه، وفي الحق لست أعلم كنه هذه الرغبة، وأجهل حقيقة الباعث إليها، ولا أدرك من نفسي إلا إحساساً باطنياً يدفعني إلى تعرّف كل شيء. وهنا إذا فزت ببعض ما كنت أجهل، شعرت بلذة إن شئت -أيها السيّد- فسمّها: لذة الوصل بعد الهجر كما يقولون مبالغة في الحلاوة ورضا النفس، فهل يكون هذا هو الحب مع الإجلال؟ ولِمَ لا، وهو لله والعلم والدين.
عَرفتكَ بتقضي الفائقة الرائقة في اللغة وأسرارها، عرفتك بالحديث عنك كما سنحت الفرصة إزكاء للشوق، فهل يا تُرى تلتقي الأبدان؛ ليكون أبلغ في القرب والائتناس؟ سيكون -إن شاء الله- إذا سمحتم بزيارة مصر، حقق الله الآمال.
أما حديث الأستاذ الجليل مجدد عهد ولي الدين ابن خلدون السيد