يقول الله تعالى:{أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ}[آل عمران: ٤٩]، والمعنى الذي يعقل من الآية: أني أصور لكم من الطين شيئاً على هيئة الطير، فأنفخ فيه، فيكون طيراً حياً بأمر الله، وأبرئ الأعمى، والذي به وَضَحٌ، وأعيد الحياة إلى جسم من فقد الحياة، أفعلُ كلَّ ذلك بأمر الله.
وأما نحو إخراج الناس من ثقل الجهل إلى خفة العلم، وإبراء الجباه المصابة ببرص الذل، فلا يصح حمل الآية عليها؛ إذ القرآن بريء من أمثال هذه الاستعارات البالغة في التكلف والتعقيد غاية تذهب عندها الفصاحة وحسن البيان.
وإذا قرأت في بعض كتب التفسير ما يسمونه: الإشارات، ووجدت في الحديث عن هذه الآيات ما يقارب أو يماثل كلام المؤولِ، أو البهائيِّ، فاعلم أن أصحاب الإشارات غيرُ من يسمونهم الباطنية، فالباطنية يصرفون الآية عن معناها المنقول أو المعقول إلى ما يوافق بغيتهم؛ بدعوى: أن هذا هو مراد الله دون ما سواه، وأما أصحاب الإشارات، فإنهم - كما قال أبو بكر بن العربي في كتاب "القواصم والعواصم" -: "جاءوا بألفاظ الشريعة من بابها، وأقروها على نصابها، لكنهم زعموا أن وراءها معانيَ غامضة خفية وقعت الإشارةُ إليها من ظواهر هذه الألفاظ، فعبروا إليها بالفِكر، واعتبروا منها في سبيل الذكر".
فأصحاب الإشارات لا ينفون - كما ينفي الباطنية وأذنابهم - المعنى