كان هذا التأويل علامة على جرأته، واستعداده لأن يخوض في آيات الله بغير علم، وعلى غير أصل.
أنكر أن يكون عيسى - عليه السلام - قد تكلم في المهد، وتأول آية:{وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ}[آل عمران: ٤٦] على ما سمعت، وبمثل هذا التأويل تناول قوله تعالى:{فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا}[مريم: ٢٩]، فقال:"أي: كان ذاك النهار ولداً صغيراً، فكيف يأمرنا وينهانا ونحن كبار القوم، فهذا ابن حرام".
ولما رأى أن ما قبل الآية، وهو قوله تعالى:{فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ}[مريم: ٢٧] يدفعه عن هذا العبث، صرفه عن وجهه، فقال:"تحمله على ما يحمل عليه المسافر، ومنه تفهم أنه كان في سياحة طويلة".
لم يكف المؤولَ أن يخرج فيما يكتب عن قوانين اللغة، فطاش إلى أن يقول في التاريخ ما لا يعرفه التاريخ، فمن أين اطلع على أن مريم - عليها السلام - كانت في سياحة طويلة؟! كان على المؤول أن يثبت هذه السياحة الطويلة من التاريخ، أو من القرآن، ثم يقول:"ومنها تعلم أنها كانت تحمله على ما يحمل عليه المسافر"، ولكنه قلبَ الكلام، فأتى إلى قوله تعالى:{تَحْمِلُهُ} الذي هو ظاهر في أنها تحمله بنفسها، وحرَّفه إلى معنى: تحمله على مركوب، وأذن لك في أن تأخذ منه أنها كانت في سياحة طويلة!.
ومقتضى إنكاره لمعجزات الرسل: أن لا يسلم أن عيسى - عليه السلام - خُلق من غير أب.
وقد كتب عندما وصل إلى آيات هذه المعجزات بلسان يدل على إنكارها في غير صراحة، فقال في تأويل قوله تعالى: {قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي