بها الناس مقامه حتى تربَّع على عرش العلم بتوليه مشيخة الأزهر، وهذه فترة طويلة يصعب الحديث عنها في صفحات قليلة.
واخترنا -كما اختار هو من قبلنا- الجانبَ العلمي الثقافي في الفقه والنقد والدراسات، تاركين الحديث عن نشاطه الأدبي والشعري والاجتماعي والصحفي، وبالأخص السياسي، إلى فرصة أخرى قد تسنح أو لا.
وهذه الناحية التي اخترناها لإبراز شخصيته هي أبرز نواحي حياته، تصور لنا أكبر ما بلغه هذا العالم الجليل من علو كعب في ميادين العلم والمعرفة، ومن إخلاص في الذود عن الدين واللغة العربية.
* الشيخ محمد الخضر الفقيه الناقد:
نحن نعلم أن الأديب أو الشاعر تتواجد داخلَه مَلَكَة النقد، فهو يسعى لنقد ذاته وأعماله وآثاره، وما يخطه قلمه معبراً عن وجدانه، يعمل جاهداً حتى لا يبعث بنتاجه يسعى بين الناس دون أن يغربله ويصفيه وينقيه، وإن لم يفعل، هزلت ثمرته، وتدنت، وأعرض عنها الناس.
وكذلك العالم الفقيه يعيش بين صحفه وأوراقه وكتبه، يفحص وبحقق ويدقق، ثم يكتب، لكن ملكة النقد عنده تبعث فيه الإحساس والشعور بمتطلبات الكمال والإبدل، والهروب من مطبات الأخطاء وهزيل الرأي. وهو لذلك يربو بنفسه عن الانزلاق والانحراف، ولا يرضى ذلك لغيره، بل يسعى لإنقاذ الآخرين من السقطات والهفوات والانحرافات.
والفقيه العالم الأديب المحقق صاحبُ الشعور الصادق، له مبادئ دينية ومقاييس علمية تسري مع دمه، وتسيطر على أفكاره وآرائه واتجاهاته، تنير طريقه، وتوضح سبل سيره. وإذا شعر يوماً بمن يهاجم تلكم المبادئ،