للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الوطن، وكأنّ ضمير الشّاعر يؤنبه على الهجرة، وتركه تونس بلاد الأنس والعيش النّاعم والأهل الطّيّبين، فيعبّر عن لواعج الحنين إليها، وأسمى المشاعر نحوها، وأجمل التّمنّيات؛ لتعيش تونس أبداً "تسامي في علاها الفرقدين". وهذا هو الحوار الذي ضمّنه الشاعر قصيدتَه، حوار بينه وبين شخص لامه عن نزوحه إلى أرض المشرق، فيقول:

رَضيتُ عن اغترابي إذ لَحَاني ... فَتىً لا ينظرُ الدُّنيا بِعَيْني

يقولُ: تُقيمُ في مصرٍ وَحيداً ... وفقدُ الأنس إحدى الموتتَيْنِ

ألا تحدُو المطيّةَ نحو أرضٍ ... تُعِيدُ إليكَ أُنْسَ الأسْرتَينِ

وعيشاً ناعماً يدع البقايَا ... من الأعمار بِيضاً كاللُّجَيْنِ

وقومٌ أَمْحَضوكَ النُّصحَ أمسوا ... كواكبَ في سماء المغربَيْنِ

ويختم محمّد الخضر حسين قصيدته بعد أن يبيّن الظّروف القاهرة التي ألجأته إلى الهجرة بهذين البيتين المعبّرين عن نفثة المشتاق، والعلاقة الوطيدة بين الشّاعر ووطنه تونس الخضراء.

يقول وهو العاشق الولهان الذي تثور في نفسه الذّكريات الطّيبة، فيحنّ إلى تلك اللّيالي الّتي قضاها في الرّياض التّونسيّة:

أحنُّ إلى لياليها كصبٍّ ... يَحِنُّ إلى لَيالي الرَّقْمَتَيْنِ (١)

ومطمحُ همّتي في أن أراها ... تُسامي في عُلاها الفَرْقَدَيْنِ (٢)

الدكتور أحمد الطويلي (٣)


(١) الرّقمتان: روضتان بناحية الصّمان.
(٢) الفرقدان: نجمان قريبان من القطب الشمالي يهتدى بهما.
(٣) أستاذ جامعي تونسي، وباحث وكاتب له عشرات المؤلفات.