ولد الإمام محمد الخضر حسين في ٢١/ ٧/ ١٨٧٣ م بمدينة "نفطة" التونسية، التي استقرت بها أسرته بعد الاحتلال الفرنسي للجزائر. وبعد أن استظهر آي الذكر الحكيم، وألم بمبادئ العلوم الشرعية واللغوية، انتقل إلى مدينة تونس، وهو في الثالثة عشرة من عمزه، فالتحق بجامع الزيتونة، وتخرج فيه بشهادة التطويع عام ١٨٩٨، وكان من شيوخه فيه: خاله محمد المكي بن عروز، والشيخ سالم بو حاجب، والشيخ محمد النجار، والشيخ عمر بن الشيخ، وقد أثر كل واحد من هؤلاء الشيوخ في جانب من جوانب شخصية الإمام محمد الخضر، الذي أشاد بهم، ولم ينس فضلهم عليه.
ومما يلفت النظر: أن الإمام محمد الخضر حسين لاحظ -وهو طالب- أن مادة الإنشاء التي تُعِدُّ الطالب للكتابة، وتهيئه للتحرير لا تجد الكفاية من العناية، فوجّه أبياتاً شعرية إلى أشياخه، يلفت فيها أنظارهم إلى هذا النقص، داعياً إلى تداركه، ومنها:
بذلتم في نَفاقِ العلمِ وُسعاً ... وذلَّلتم طرائقه الصِّعابا
ولكنَّ الخصاصةَ في فنونٍ ... تساورني المخافة أن تُعابا
أصابَ صناعةَ الإنشاء مَحلٌ ... وغاض مَعينُها إلا سرابا
أني علم البيان نغوص فهماً ... ونملأ من جواهره الوِطابا
وإن ركبتْ أناملنا يراعاً ... تعاصى أن يشق بها عُبابا
ولا ترقى شؤونُ الشعب إلا ... بأقلامٍ تناقشه الحسابا
كانت همة محمد الخضر حسين متعلقة بالانضمام إلى هيئة التدريس بجامع الزيتونة، ولكن المؤامرات والمناورات حالت بينه وبين ما يشتهي، فاكتفى بإلقاء الدروس تطوعاً.