للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لم يقل محمد الخضر حسين ما يقوله المعذِّرون: "صحَّ مني العزمُ والدهر أبي"، فقرر أن يُوسع ساحة تأثيره، وأن يكون معلماً غير مباشر لأكبر عدد من الناس، فأسس في عام ١٩٠٤ م مجلة "السعادة العظمى"، و"هي أول مجلة عربية ظهرت في تونس" (١)، ولكن عمرها لم يطل؛ إذ توقفت في يناير ١٩٠٥ م بعدما صدر منها واحد وعشرون عدداً.

رأى المستعمرون الفرنسيون وأولياؤهم من التونسيين أن يقيدوا محمد الخضر حسين بوظيفة تحدد حركته، وتقلل نشاطه، فعينوه قاضياً في مدينة "بنزرت"، وخطيباً في جامعها، و"كان للشيخ محمد الطاهر بن عاشور قسط كبير في التأثير عليه لقبول هذه الوظيفة" (٢)، ولكن الشيخ لم يستطع صبراً، فاستقال بعد بضعة أشهر، ولا يُستبعد أن تكون هذه الاستقالة قد وقعت بعد ضغوط عليه إثر محاضرته الشهيرة: "الحرية في الإسلام" التي لقيت صدًى واسعاً، ونالت قبولاً كبيراً.

قام الشيخ محمد الخضر حسين برحلتين إلى الجزائر، موطنِ آبائه وأجداده، وكانت أولى الرحلتين في عام ١٩٠٣ م، وكانت ثانيتهما في ١٩٠٤ م، ولعله كان يستكشف من خلالهما إمكان العمل في الجزائر، ولكنه أدرك أن الجزائر تعيش في سَموم وحميم، وأن الوضع فيها أسوأ من تونس أضعافاً مضاعفة، وأن يوماً من العذاب فيها كألف يوم في غيرها.

وفي سنة ١٩١٢ م سافر الشيخ إلى دمشق، وكان قد سبقه إليها في السنة التي قبلها إخوانه: زين العابدين، والمكي، والعروسي، كما أن خاله


(١) محمد مواعدة: "محمد الخضر حسين"، ط ٢، (ص ٣٢).
(٢) المرجع نفسه (ص ٣٨).