فدخل يوم إعلان حرب البلقان، فاختلط بأهلها، وزار مكاتبها، ثم عاد إلى تونس في ذي الحجة من هذه السنة، ونشر رحلته المفيدة عنها، وعن الحالة الاجتماعية بها ببعض الصحف، ثم جُعل عضواً في اللجنة التي ألفتها حكومة تونس للبحث عن حقائق في تاريخ تونس، ثم ترك ذلك لما عزم على المهاجرة إلى الشرق، فرحل إليه، ونزل مصر، وعرف بعض فضائلها، ثم سافر إلى الشام، ثم للمدينة المنورة، ثم إلى القسطنطينية، ثم عاد معيناً مدرساً للغة العربية والفلسفة بالمدرسة (السلطانية) بدمشق، وبقي كذلك إلى أن اتهمه مدة الحرب العظمى جمال باشا حكم سورية بكتم حال المتآمرين على الدولة، واعتقله ستة أشهر وأربعة عشر يوماً، ثم حوكم، فبرئ من التهمة، فأطلق سبيله في شهر ربيع الثاني سنة ١٣٣٥ هـ.
ومن شعره في حبسه، وكانوا حالوا بينه وبين أدوات الكتابة:
غَلَّ ذا الحبسُ يدِي عن قلمٍ ... كان لا يَصْحو عن الطِّرْسِ فناما
هل يذودُ الغمض عن مقلته ... أو يلاقي بعدَه الموتَ الزؤاما
أنا لولا همةٌ تحدو إلى ... خدمة الإسلام آثرتُ الحِماما
ثم استمر على التدريس بالمدرسة بدمشق إلى أن دُعي إلى القسطنطينية سنة ١١٣٦ هـ. ثم هاجر إلى إستنبول بعد عام، وعمل محرراً بالقلم العربي بوزارة الحربية، ثم أرسلته الحكومة إلى ألمانيا للقيام بعمل سياسي، وهو تذكير الأسرى هناك بظلم فرنسا، ثم رجع إلى الشام، فدرس الفقه بالمدرسة السلطانية العربية ... وبعد أن احتلت فرنسا الشام بعشرة أيام هاجر إلى مصر في عام ١٣٢٩ هـ، ثم نال الشهادة العالمية بالأزهر، وتولى التدريس بكلية أصول الدين والتخصص اثنتي عشرة سنة.