إحداهما: قوله تعالى: {إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا}[الإسراء: ٤٧]، فهذا مما قصه الله تعالى عن كفار قريش من سياق الإنكار عليهم، ومقتضاه: نفي أن يكون قد سحر، والقرآن مقدم على الحديث.
ثانيتهما: أن تأثره بالسحر - عليه الصلاة والسلام - يقدح في الثقة بما يبلِّغه عن الله تعالى من أمر ونهي.
والذين لا يسارعون إلى تكذيب الأحاديث المروية بأسانيد صحيحة ما وجدوا لدفع ما يرد عليها من الشبه طريقاً، يقولون: إن قريشاً أرادوا من قولهم: {مَسْحُورًا} معنى اختلال العقل، فيكون مرادفاً لقولهم:{مَجْنُونٌ}، أو أرادوا: أنه مسحور سحراً من أثره هذا الدين الذي يدعو إليه، وهذا موضع الإنكار عليهم بإجماع، ويقولون: إن السحر إنما تسلط على جسده وجوارحه الظاهرة، ولم يمس شيئاً من عقله وقلبه، ويدل لهذا: حديثُ ابن عباس - رضي الله عنه - في رواية ابن سعد:"مرض النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأُخذ عن النساء والطعام والشراب".
وليس من غرضنا الآن البحث عن حقيقة السحر (١)، ولا بسط القول في حديث سحره - عليه الصلاة والسلام -, وإنما أردنا أن نريك كيف يحاول المؤول أن يقذف المسلمين بتهمة تَلقّي أحوال النبي - صلى الله عليه وسلم - عن اليهود.
وانظر إلى قوله:"إن المسلمين ينقلون في كتبهم"؛ فإنها كلمة لا أحسبها صدرت منه إلا في حال نسيانه أنه استعار ثوبَ الإسلام؛ ليتمكن من سحر أبناء المسلمين، وصدهم عن السبيل.
(١) انظر كتاب: "الشريعة الإسلامية صالحة لكل زمان ومكان" للإمام محمد الخضر حسين - باب: في حديث السحر.