كان دينهم، وأياً كانت عقيدتهم، والمسلمون ليسوا بدعاً بين الناس.
وخلص من هذا إلى: أن رسالة محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم - كلها رسالة روحية، جاء ليدعو الناس إليها، وليبشر بأحكامها وأصولها، فإذا كان قد تولى شيئاً من شؤون الدنيا؛ كتولية الولاة، أو إرسال البعوث، أو توجيه السرايا، أو عقد المحالفات، أو فض الخصومات، أو الحكم في المنازعات، فذلك كله بقصد أداء الرسالة، لا لأنها من عمله أصلاً، ولا لأنها تدخل في جوهر دعوته، أو تكمل رسالته، ويمكن تصور حياته كلها خالصة للدعوة، ولتلقين أحكام الدين، وتثبيت المسلمين على محبته، وتفسير ما تمخض من آيات القرآن الكريم، وضرب الأمثلة؛ لتوضيح ما قصده رب العالمين.
ومثل هذا القول، لا يعد ضرباً من التجديد في الإسلام، وكان المسلمون جديرين بأن يسمعوه في هدوء وأناة، وأن يردوا عليه في رفق ولطف؛ ذلك لأن الخلافة فقد معناها منذ قرون، وقد سقطت كثير من دول المسلمين وشعوبهم في أيدي دول الغرب، يستأثرون بالحكم والسلطة فيها دون أهلها.
ولكن الذي هاج غضب المسلمين: أن كتاب "الإسلام وأصول الحكم" ظهر في وقت كان أمرهم جرحاً دامياً، فقد أسقط مصطفى كمال هذه الخلافة، بعد انتصار الأتراك بقيادته على اليونانيين الذين كان يؤيدهم ويحرضهم (لويد جورج) رئيس وزراء بريطانيا، وكانت هذه الانتصارات قد أرضت كبرياء المسلمين، وعوضتهم عما لحق بهم بعد هزيمة تركيا وألمانيا في حرب ١٩١٤ - ١٩١٨، وبعد انسلاخ دول العرب كلها من سلطان الخلفية العثماني، واقتسام الإنجليز والفرنسيين ...
وقد تقدم العلماء بنقد متسم بالوقار والرصانة لكتاب "الإسلام وأصول