للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لقد مضى حين من الدهر على مرسى "بنزرت" الجميلة المنيعة، كانت تعد مع الأخريات، فلما أتاح لها حكم القدر أن يعتني بها المعتنون، فتكون من أشهر المراسي الحربية على ساحل البحر المتوسط، وأن تصبح كما هيّأتها الخِلقة من المملكة التونسية على صورة العين من رأس الفتاة العربية (١). استدعت نباهتها السياسية إصلاح حالها المدنية، وابتدأت بإصلاح قضويتها؛ لأن القاضي هو سوط عدل الله يرفع على الظالمين؛ حتى يُصلح الناس أجمعين.

وعسى أن يقوم من شذى الثناء على صديقنا في تلكم الأصقاع، ما تفاخر به بقية البقاع، فتهرع كلها تطلبه إلى وظائفها وتنصاع.

أريد أن أختم قولي، فألتمس منك أيها الصديق المخلص، أن تتقبل مني أبيات أملاها عليّ الضمير، على بُعد ما بيني وبين الشعر:

قسماً بإحساس المودَّة بيننا ... أكَّدتُ في ملأ من الأحباب

لَسرورُ ساعات تذكِّر أُنْسَكُم ... في النفس أحلى من نَوال طِلاب

والآن قُدِّر أن يشطّ مزارُنا ... حتى يعوَّض جمعُنا بكتاب

ولتلك في قلب الصديق حزازةٌ ... ما هي دون نوافذ النشّاب

لكنَّ للعدل المضيَّع دعوة ... تقضي علينا بامتثال جواب

فاهنأ بهذا الارتقاء وكُن به ... مَثَلَ الفضيلة مظهرَ الإعجاب


(١) أردت الإشارة إلى هيئة المملكة من الخريطة، فإنها تشبه فتاة عربية مادّة يدها للشرق، وبنزرت منها بمكان العين من الرأس شمالاً. "هذا التعليق للإمام محمد الطاهر بن عاشور في المخطوط".