أعوام، وناولني مصحفاً، وقال: عين لهم مكاناً يقرؤون منه، ففتحت المصحف، فأول ما رأيت:{وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ} [الأعراف: ٥٨} فناولته أحدهم، فقرأ قراءة تدبر مع حسن أداء، وإعطاء مخارج الحروف حقها، ثم سئل عن معاني الألفاظ، فأجاب بأحسن جواب، ثم سئل عن معاد الضمائر وإعراب الكلمات، فأجاب كذلك، لم يتلعثم في جوابه، ثم وقف أحدهم، وسرد قصيدة المعري التي منها:
وإني وإن كنت الأخير زمانه ... لآتٍ بما لم تستطعه الأوائل
مع إشارة حسية بيده، وإعراب لكل ما سئل عنه من الأبيات، وبيان المعاني؛ بحيث أني شاهدت ما يبهر العقل من الأجوية الحاضرة على صغر السنن" ثم أذن لهم بالذهاب، فقاموا بآداب، وودعونا، وخرجوا.
ثم دعا أربعاً من قسم أعلى منهم، فأتوا بما هو أرقى، وكانت القراءة في المصحف من قوله تعالى:{وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ}[يوسف: ١٦] , فبينوا، وأعربوا، وفسروا المعاني بأحسن تفسير، ثم سئلوا عن الجغرافية، فأجابوا عن القطر المصري والأفريقي ومن احتله، ومن جملة ما ذكر عن تونس: أن جميع الدول صادقت على الاستعمار، إلا الدولة العثمانية فلم تصادق.
ثم سئلوا: هل يمكن للإسلام عود شبابه؟ فأجابوا: نعم، يعود باتباع ما جاء به الشرع، والاتحاد، فسئل عن الدليل، فأجاب بقوله تعالى:{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}[آل عمران: ١٠٣]. ثم قام أحدهم، وسرد قصيدة حماسية، تبعث النفوس على الشهامة وعلو الهمة، ثم أذن لهم بالانصراف بعد أن سقاهم المدير القهوة، وخرجوا بالآداب كالأول. واستأذنا بالخروج، وقام المدير مشيعاً لنا لباب المدرسة.