كلما خلا كرسي المشيخة؛ فإنهم يشمرون عن سواعدهم ليدعوا له، وينشرون الأكاذيب، ويصنعون التهم والأباطيل التي تشوه سمعة منافسه، ويكتبون مطالبهم إلى الجهات المسؤولة، منها ما يرفع صاحبهم إلى القمة، ومنها ما يهبط بمنافسه إلى الحضيض، ولجأ كبار رجال الأزهر لتأكيد هذه الزعامة الجوفاء إلى كسب عواطف الأساتذة والطلبة، حتى بوسائل غير مشروعة.
ولعل مهزلة (الصعيدي والبحراوي) التي كانت تمثل على مسرح الأزهر لم يزل صداها يدوي في آذاننا إلى اليوم، وأما الدماء التي سالت فوق أرض الأزهر من جرائها، فلم تزل آثارها إلى اليوم، وما كنا نملك إلا أن نضحك - وشر البلية ما يضحك- على هذا الحصن الذي تهدف رسالته إلى إيجاد الوحدة الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها، وقد عجز عن أن يوجدها بين جدرانه.
وفي سبيل المنصب باع البعض من كبار رجال الأزهر ضمائرهم، ولعلنا لم ننسَ بعد تلك البرقية المسهبة التي أرسلها شيخ كان مرشحاً لمشيخة الأزهر إلى الملك الخليع في "دوفيل" يتمنى له طيب الإقامة وسط رقصات الأكتاف، وهزات البطون من الساقطات اللاهيات، ولعلنا لم ننس أشباح العمائم الضخام وهي في ميناء الإسكندرية تودع هذا الملك الساقط، أو تستقبله حين كان يرحل ويعود.
وحدثت وثبة الجيش المباركة، ولم يكن هدفها سوى التطهير، وكان لا بد أن تشمل حركة التطهير هذه الأزهر (المعمور)، ولم تستطع هيبة الأزهر ولا وقاره أن يحولا دون ذلك؛ لأن هيبة الأزهر ووقاره قد تخليا عن أبناء الأزهر، وبقيا في البنيان الشامخ وحده، ووثبة التحرير لم يكن يلائمها لمشيخة