أو يرشدوا ويعلموا بأفريقية، لذلك بقيت الأرض التونسية مرتبطة ارتباطاً روحياً بالأرض المصرية، بلغ أوجَهُ في ختام القرن الثاني بتخريج سحنون عن ابن القاسم، وإمداد مصر للقيروان بمدونة فقه مالك.
من يومئذٍ لم يقم حكم، أو يجرِ عمل، أو ينتشر مذهب بأحد القطرين، إلا وهو يترامى إلى القطر الآخر تراميَ الشيء إلى صلته الضرورية، ومدى انتشاره الطبيعي، وذلك هو الذي يعلل الصدام الذي نشأ في القرن الثالث بين دولتي بني الأغلب، وبني طولون، فقد كانت كل واحدة منهما ترى أن حدود حكمها منقوصة الأطراف، ما دام أحد القطرين غير منضم إليها.
ونشأت في "المهدية" دولة العبيدين، فامتلكها -وهي في مهدها- شعور بأن لا دولة لها راسخة الدعائم، ولا دعوة فاطمية ثابتة سائرة، إلا بجميع القطرين المصري والتونسي تحت عرش المهدي، فتولدت عن هذا الشعور مدينة القاهرة، تونسية العمران، مغربية الوجهة، بربرية العصبية، وتأثرت بمحاكاة "المهدية" في شكلها وخططها، فكان لها كما للمهدية باب النصر، وباب الفتوح، وباب زويلة، والسقيفة، وحارة كتامة.
وانشق الجامع الأزهر على قواعد مذهب تأصلت عقائده في "المهدية"، وتفرع فقهه فيها، واستندت الروح الأزهرية في رواجها الشعبي على خطابة ونثر وشعر، كانت كلها تونسية العوامل، مهدوية الطبائع.
وتأثرت عمارة الأزهر في أشكالها الهندسية وفنونها الزخرفية بمحاكاة أقواس وعمد أشرقت عليها شمس المهدية، وأزهار وأقمار ترطبت بأنفاس نسيمها البليل، فاستوثقت بذلك كله وحدة القطرين، واتسقت الروابط بينهما، حتى إنه لما تحرك أحدهما حركة الانفصال عن الآخر بقيادة المعز بن باديس