مطاوي التاريخ، ونتخذ من أفكارهم - مهما كان مستواها - مقياساً نرى فيه مدى ما شملنا من التطور الذي لهم فيه فضل السبق، وشرف البداية.
ولعل الجامعة التونسية يدفعها الشباب من طلابها في هذا الاتجاه، تسهم مساهمة فعالة في تفتيح أعينهم وأذهانهم على تاريخهم وتراثنا؛ لأن من عادات الشباب منابذة الماضي بدعوى أنه ماض، وليس لأي شيء عداه.
وفي مضمار إحياء هذه الشخصية الإصلاحية، والتعريف بها، والتذكير بأهم آرائها، نلاحظ أن هناك جيلين اثنين متواكبين متكاملين: جيل أبي القاسم كرو، وجيل تلميذه محمد مواعدة، كلاهما يوفي هذا الماضي حقه، مما يدل على تكامل الجهود، وعلى الإحساس المشترك بعبء الوفاء ..
قسّم الأستاذ مواعدة رسالته إلى ثلاثة أقسام تخللتها فصول وأبواب عديدة ومقدمتان، إحداهما: للمؤلف، شرح فيها منهجه أثناء الدراسة، والطريقة التي اتبعها للوصول إلى ما وصل إليه من الاراء، والدوافع التي جعلته يختار هذه الشخصية لبحثه دون غيرها قائلاً بهذا الصدد:"اهتممت بدراسة شخصية الشيخ محمد الخضر حسين؛ لأنه علم بارز من أعلام الإسلام في العصر الحديث، شارك مشاركة فعالة في الحركة الفكرية، سواء في المغرب، أو المشرق العربيين، وارتبط اسمه بأسماء عدد كبير من رجالات الدين، قاموا بدرهم في ميادين مختلفة دينية ولغوية وأدبية وسياسية".
يضم القسم الأول من أقسام الكتاب الثلاثة: حياة المؤلف بالبلاد التونسية منذ ولادته بـ "نفطة" إلى حين انتقاله إلى العاصمة. "فلقد تربى محمد الخضر حسين في بيئة يسيطر عليها العلم، وتغمرها الثقافة، ويحيط بها الورع الديني من كل جانب، فحفظ القرآن الكريم على مؤدبه الخاص الشيخ عبد الحفيظ