للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وجلس في الجامع الأموي يلقي دروساً في أصول الفقه، والخلاف، والنحو، والأدب، والحديث النبوي. وكرمه علماء دمشق، وأحبّوه؛ للطفه، ودماثة خلقه، وحلاوة معشره. ثم سافر إلى الآستانة، وتولى التحرير في وزارة الحرب، وعاد منها أوائل سنة ١٩١٨ م.

وكانت دمشق تفور بفكرة الوطنية، فعاد يدرّس في الأموي. فلم ترُق دروسه لجمال باشا؛ لما كان يبثه في تلاميذه من معاني الوطنية والإصلاح، فاعتقله أشهراً في السجن، وفي سجنه نظم هذه الأبيات اليائسة:

غلَّ ذا الحبسُ يدي عن قلمٍ ... كان لا يصحو عن الطرسِ فناما

أنا لولا همّةٌ تحدو إلى ... خدمةِ الإسلام آثرتُ الحِماما

ليست الدنيا، ومايبسم من ... زهرها إلا جَهاماً وقتاما

وتوسط له علماء دمشق، فأفرج جمال باشا عنه، وبقي في دمشق حتى عام ١٩٢٠ م، وشهد مولد الحكومة العربية الأولى في سورية، وقرّبه الملك فيصل، ورأيت رسالة بخطه وقعّ فيها: محمد الخضر حسين التونسي الدمشقي.

فلما دخلت الجيوش الفرنسية دمشق، وقام عهد الانتداب، لجأ إلى مصر، وكان له فيها كفاح جديد وطويل في خدمة الإسلام. وكانت همته شمّاء، فالتحق بالأزهر، وقدّم الامتحان للشهادة العالمية، فنالها، وألّف "جمعية الهداية الإسلامية"، وأصدر لها مجلة باسمها رأس تحريرها، ثم درّس في الأزهر في كليتي الشريعة وأصول الدين، وعُيّن رئيساً لتحرير مجلة "الأزهر" (١)


(١) هي نفسها مجلة "نور الإسلام" قبل تسميتها بمجلة "الأزهر"، ولم يتسلم الإمام =