أرسله أنور باشا إلى "برلين" بمهمة رسمية، فقضى في ألمانيا تسعة أشهر، اجتهد خلالها في تعلم الألمانية، وفي "ديوانه" قطع كثيرة مما نظمه هناك، ومن ذلك: أنه كان في قطار بضواحي برلين يرافقه مدير الأمور الشرقية بوزارة الخارجية الألمانية، وكان يتحدث مع شاب ألماني باللغة الألمانية، ثم أقبل مدير الأمور الشرقية على الشيخ، وقال له: أليس هكذا يقول ابن خلدون: إن العرب أبعد الناس عن السياسة؟ فنظم الشيخ في هذه الحادثة أبياتاً يقول فيها:
عذيري من فتى أزرى بقومي ... وفي الأهواء ما يلد الهذاءَ
سلوا التاريخ عن حكم تملت ... رعاياه العدالة والرخاء
هو الفاروق لم يدرك مداه ... أمير هزّ في الدنيا لواء
وعاد إلى الآستانة، فوجد أن خاله الشيخ المكي بن عزوز قد توفي بها، قبل قدومه بنحو شهرين، فرثاه بما في "الديوان"، ثم ضاقت به العاصمة العثمانية على سعتها، وصرفه عنها وعن عظمتها يومئذٍ ما كان يشعر به من الشوق إلى دمشق، حتى تمكن من الوصول إليها، والاستقرار فيها، غير أنه ما لبث أن ناله شواظ من شرور السفاح الجنكيزي أحمد جمال باشا، الذي لم يسلم فاضل من شره، فاعتقل في رمضان سنة ١٣٣٤ هـ، وكان في زنزانة واحدة هو والأستاذ سعدي بك الملا الذي تولى رئاسة الوزراء اللبنانية بين الحربين العالميتين، وكان جريرة سعدي بك الملا: أنه كان سكرتيراً لشكري باشا الأيوبي من كبار رجال الجيش العثماني الذين أنجبتهم الشام، أما شكري باشا، فكان تحت التعذيب الأليم الذي يذكِّر الناسَ بديوان التفتيش الكاثوليكي في إسبانيا.