للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن شعر الشيخ محمد الخضر حسين في هذا الاعتقال:

جرى سمر يوم اعتقلنا بفندق ... ضحانا به ليل، وسامرنا رَمْسُ

فقال رفيقي في شقا الحبس: إن في ... الحضارة أنساً لا يقاس به أُنْسُ

فقلت له: فضل البداوة راجحٌ ... وحسبك أن البدو ليس به حَبْسُ

وأكبر ظني أنه كان لأنور باشا دخل في إنقاذ الشيخ من قبضة جمال باشا، فما كاد يفرج عنه، ويخرج، حتى أزمع السفر إلى الآستانة، وما كاد القطار يسير به حتى قال، وهي في "ديوانه" (ص ١٢٦):

أردد أنفاساً كذات الوقود إذ ... رمقتني من البين المشت رواشِقُ

وما أنت مثلي يا قطار وإن نأى ... بك السير تغشى بلدة وتفارقُ

فما لك تلقى زفرة بعد زفرة ... وشملك إذ تطوي الفلا متناسق؟!

ولما بلغ الآستانة، أوفده أنور باشا سنة ١٣٣٥ للمرة الثانية إلى ألمانيا، فقضى فيها زمناً طويلاً، وعاد إلى الآستانة، ثم إلى دمشق، فتولى التدريس بالمدرسة السلطانية مرة أخرى بقية سنة ١٣٣٥، وفي هذه المدة شرع في دراسة كتاب "مغني اللبيب" فيعلم العربية لجمال الدين بن هشام (٧٠٦ - ٧٦١) بمحضر جماعة من أذكياء طلاب العلم بدمشق، وكان يرجع في تقرير المسائل المتصل بالسماع والقياس إلى تلك الأصول المقررة والمستنبطة، فاقترح عليه أولو الجد من الطلبة جمع هذه الأصول المتفرقة؛ ليكونوا على بينة منها ساعة المطالعة، فألف مقالات تشرح حقيقة القياس، وتفصل شروطه، وتدل على مواقعه وأحكامه، ومن المقالات تألفت رسالة "القياس في اللغة العربية" التي أعاد عليها نظره بمصر، ونال بها عضوية جماعة كبار العلماء.