وفي سنة ١٣٣٧ هـ ذهب إلى الآستانة، وكانت الحرب العالمية الأولى في نهاياتها، والحالة في دولة الاتحاد والترقي مؤذنة بالزوال، فتوجه إلى ألمانيا، وقضى هناك سبعة أشهر، وكانت عودته منها هذه المرة إلى دمشق رأساً، وهو يقول "الديوان"(ص ٢٢٠):
سئمت وما سئمت سوى مقامي ... بدارٍ لا يروج بها بياني
فازمعت الرحيل وفرط شوقي ... إلى بردى تحكم في عناني
هلم حقيبتي لأحطّ رحلي ... فنفحُ زهور جِلَّق في تداني
ووافقت عودة الشيخ إلى دمشق دخول الجيش العربي، وولاية فيصل ابن حسين على سوريا، على أمل أن يعود إلى تونس، فيكمل حياته فيها، ولكن الله أراد له الاستقرار والبقاء بمصر.
وفي مصر أخذ يشتغل بالكتابة والتحرير والدرس، وفي سنة ١٣٤٠ هـ ألف رسالته "الخيال في الشعر العربي". وبعدئذٍ كسبته دار الكتب المصرية، فالتحق بقسمها الأدبي عدة سنين، ثم تجنس بالجنسية المصرية، وتقدم للامتحان في الأزهر، فقام على امتحانه لجنة برئاسة العلامة الشيخ عبد المجيد اللبان، وكانت اللجنة كما اكتشفت آفاق علمه، زادت في التعمق بمناقشته، واستخراج كنوز فضله، وأصبح بعدئذ من أكمل أساتذة هذا الصرح العلمي العظيم في عصور الإسلام الطويلة، وإن تلاميذ الشيخ صاروا فحول العلماء، وأطواد التحقيق في الشريعة وعلوم العربية.
وفي سنة ١٣٤٢ هـ أسس "جمعية تعاون جاليات أفريقية الشمالية"، وسن لها قانوناً، وفي سنة ١٣٤٣ مرض مرضاً شديداً، ردد صداه في شعره "الديوان"(٢٦)، وفي سنة ١٣٤٤ هـ ظهر كتاب "الإسلام وأصول الحكم".