واللغة إلى أن تخرج سنة ١٣١٦ بشهادة المعهد (التطوع) على أنه لم ينقطع عن حضور حلقات أكابر الأساتذة، مثل: الشيخ عمر بن الشيخ، والأستاذ محمد النجار، اللذين كانا يقرآن التفسير، والشيخ سالم بوحاجب في درسه "صحيح البخاري".
* قبل مهاجرته:
إلا أنه لم يكد يستقر على حاله هذا، ويرى تشابه يومه بأمسه، حتى عاف تلك الحياة المتماثلة، فعزم على الرحلة إلى الشرق؛ ليدرس حالته العلمية، ويعرف أحواله الاجتماعية. فسافر سنة ١٣١٧، إلا أنه لم يتم رحلته هاته، إذ اضطر للرجوع من طرابلس الغرب بعد أن أقام بها أياماً.
وهكذا رجع الأستاذ للمعهد الزيتوني الذي تخرج منه، يفيد ويستفيد إلى سنة ١٣٢١، حيث أنشأ مجلة "السعادة العظمى"، فكانت من أحسن مجلات عصرها العلمية، والمسرح الحر الذي تبارت فيه أقلام الكتاب الزيتونيين في مختلف المسائل الدينية والأدبية. وقد لقي صاحب هاته المجلة الإصلاحية ما يلاقيه كل مصلح من المحافظين، حتى قال له الشيخ سالم بوحاجب في أحد الأيام:"لا يهمك ما تلاقيه في سبيل ما أنت آخذ به، ولتكن لك بنبيك أسوة، إذ قال له ورقة بن نوفل: لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي".
وفي سنة ١٣٢٣ تقلد منصب القضاء بمدينة "بنزرت"، كما عهد له بالخطابة والتدريس بجامعها الكبير. على أن التوظف لم يكن بالمقيد له عن القيام بواجباته الاجتماعية -خلاف متوظفي الحكومة التونسية في العهد الأخير-، فلقد تعود الشعب أن لا يرى من المتوظف إلا مظاهر حكومية بحتة، بما يستعمله