الرؤساء من الضغط على المتوظف التونسي، فكل حركة يأتيها يرعد لها الرؤساء، حتى المشاركة في الجمعيات الأدبية، ولا غرو، فإن الجمعيات الأدبية إنما تقصد تعضيد اللغة العربية لا الفرنسية، الأمر الذي يعتقد أولئك الرؤساء أنهم لم يأتوا من وراء البحار لتأييده. نذكر من ذلك محاضرته "الحرية في الإِسلام" التي ألقاها بنادي (جمعية قدماء الصادقية)، فلقد كان لها تأثير كبير، وحضرها الطبقة العالمة والمفكرة، وحتى بعض المستعربين من الأجانب، ونُشرت فتناقلتها الصحف.
هذا، ولما كان الرجل حراً بطبيعته، وقد أحس بأن الحكومة -إذاك- تحاول أن تطفئ منه ذلك النور المشع، وتقتل روحاً نشيطة لا زالت متأججة بين جنبيه، ليكون على ما عودت به سائر موظفيها من السكون والاستسلام في ظل مرتب يأتي بانتظام، ويذهب بمثله.
لما أحس بذلك، أبى عليه حزمه أن يكون ذلك المستضعف المغبون، فقدم تسليمه، وأكده بإرادة قوية، حتى لما رأت عزمه، قبلته منه، فرجع للعاصمة متطوعاً بإلقاء دروسه المعتادة في الكلية الزيتونية، وعندها عينته نظارة الجامع لتنظيم خزائن الكتب. وفي سنة ١٣٢٥ شارك مشاركة عملية في تأسيس جمعية زيتونية، وفي مدتها تولى وظيفة التدريس بالكلية بصفة رسمية، وفي سنة ١٣٢٦ عين مدرساً بثانوية الصادقية، وانتخبته هيئة إدارة الخلدونية لإلقاء محاضرات في الإنشاء على تلامذتها، فقام بهاته الوظائف أحسن قيام، وكان لا يفتر عن إتحاف الشعب ببنات أفكاره بين الفترة والأخرى، كمحاضرته "حياة اللغة العربية".
ولما قامت الحرب الطرابلسية الإيطالية، كان من أعظم الدعاة لإعانة