حتى أحرز شهادة العالمية، وأقبل على التدريس في جامع الزيتونة متطوعاً، وأصدر مجلة "السعادة العظمى"، وكانت حافلة بالفوائد ومباحث الإصلاح، إلى أن رأت الحكومة في ذلك الوقت الانتفاع بمواهبه في القضاء، فعين قاضياً شرعياً في مدينة "بنزرت"، ولما كان فضيلته من ذوي النفوس التي تريد الدأب على البحث وطلب المزيد من العلم، لم يرض أن يحصر نفسه في ذلك المحيط الضيق، والدائرة المحدودة، فاستقال من منصب القضاء طائعاً مختاراً، وعاد إلى الحاضرة، فعين أستاذاً في جامع الزيتونة، ومدرساً بالمدرسة الصادقية، وهي لأكبر مدرسة للحكومة في تلك البلاد، وانتخبته الحكومة عضواً في لجنة تنظيم كتب المكتبة الصادقية، والمكتبة الزيتونية، وعضواً بلجنة وضع التاريخ التونسي العام، وعضواً بمجلس النظر في شؤون المدارس، وأصبح التونسيون مجمعين على الاعتراف بفضله وخدماته، ويحملون له أطيب الذكريات.
وألقى في (نادي جمعية قدماء الصادقية)، و (المدرسة الخلدونية) محاضرات طبع منها: "الحرية في الإِسلام"، و"حياة اللغة العربية"، و"مدارك الشريعة الإِسلامية وسياستها"، وطبعت له في تونس رسالة "الدعوة إلى الإصلاح".
ثم شدّ رحاله إلى بلاد الشام، فاستقبلت فيه عالماً جليلاً، وباحثاً مدققاً، رأت أن تنتفع بعلمه وعرفانه، فعين أستاذاً لآداب اللغة العربية بالمدرسة السلطانية بدمشق.
انظر ماذا يقول أحد أعضاء المجمع العلمي في دمشق (١) عن فضيلة المحتفى به:
(١) هو فضيلة علامة الشام الشيخ محمد بهجة البيطار -رحمه الله تعالى-.