"أستاذنا الجليل الشيخ محمد الخضر حسين، علم من أعلام الإِسلام، هاجر إلى دمشق في عهد علامتي الشام: الشيخ البيطار، والشيخ القاسمي، فاغتبطا بلقائه، واغتبط بلقائهما، وكنا نلقاه ونزوره معهما، فأحكمت بيننا روابط الصحبة والألفة والود من ذلك العهد، ولما توفي شيخنا القاسمي سنة ١٣٣٢ هـ، لم نجد نحن -معشر تلاميذه- من نقرأ عليه أحبَّ إلينا ولا آثرَ عندنا من الأستاذ الخضر؛ لما هو متصف به من الرسوخ في العلم، والتواضع في الخلق، والبر بالإخوان- إلى أن قال:
وأخذنا في ذلك الحين نقتطف ثمار العلوم والآداب من تلكم الروضة الأُنُف، ونرتشف كؤوس الأخلاق من سلسبيل الهدى والتقوى، ولم يكن طلاب المدارس العالية في دمشق بأقل رغبة في دروسه، وإجلالًا لمقامه، وإعجابًا بأخلاقه من إخوانهم طلاب العلوم الشرعية، بل كانوا كلهم مغتبطين في هذه المحبة والصحبة، مجتمعين حول هذا البدر المنير".
واستمر كذلك في بلاد الشام يخدم الدين وأبناءه، وينشر العلم ولواءه، حتى إذا نشبت الحرب العالمية العظمى سنة ١٩١٤، ودارت رحاها، اتصل بالمرحوم أنور باشا وزير الحربية، ورحل إلى ألمانيا، وقضى بها نحو تسعة أشهر، تعلم في خلالها اللغة الألمانية، وانتهز هذه الفرصة، فدرس الشيء الكثير عن حالة المجتمع في "برلين" في ذلك الوقت، وعن عادات الناس وأخلاقهم هناك، وعنّ له في تلك الآونة أن يدرس علوم الكيمياء والطبيعة، فدأب على درسها بالألمانية على يد البرفسور (هاردر) أحد العلماء الألمان المستشرقين.
ثم عاد إلى دمشق، حتى إذا قاربت الحرب أن تضع أوزارها، نزح إلى