الغنيَّ عن التعريف، نقضَ فيه كلَّ ما حوى كتاب "في الشعر الجاهلي"، وحلله تحليلاً علمياً نزيهاً، ردَّ فيه ما انتحله إلى أهله، وعاد به إلى أصله، وأبان عن مواطن ضعفه، ودحض أباطيلَه بالأدلة الواضحة. وفي أثر ذلك باشر فضيلته التدريس بالأزهر الشريف.
وما حل رجب سنة ١٣٤٦ هـ حتى لمس طلاب العلم بالجامعة الأزهرية والمعاهد الدينية: أن مصر فقيرة في جمعياتها الإِسلامية: لم يكن في ذلك الوقت سوى (جمعية مكارم الأخلاق) و (جمعية الشبان المسلمين)، وأنَّ تأخر المسلمين في أغلب شؤونهم الحيوية، ونزولَهم من مكان عزتهم، إلى ما هم عليه اليوم من ضعف وانحلال، وتفكك في الوحدة، لا علة له سوى نكث أيديهم من تعاليم دينهم الحنيف، وانصرافهم عن هدايته السامية، فدعوا إلى تأليف جمعية تضع نُصْبَ عينيها بيان حقائق الإِسلام، وبث آدابه العالية، وتمد نظرها إلى أحوال الاجتماع، ومقتضيات المدنية؛ لتعرف مواقع الصلاح والفساد، وليمكنها أن تساهم في نهضة الأمة الأدبية والاجتماعية، كما تعمل على رقي اللغة العربية، وإحياء آدابها، وقد وجدوا في ذلك الوقت من إقبال إخوانهم ما شد عزمهم، فألّفوا جمعية (الهداية الإِسلامية) وانتخب الأعضاء فضيلة الأستاذ السيد محمد الخضر حسين رئيساً لها.
وسارت الجمعية على بركة الله بقدم ثابتة، ونفس مطمئنة، نحو الرقي والتقدم، ولا يفوتني أن أذكر الجهود الجبارة التي كان يبذلها سعادة المغفور له أحمد تيمور باشا في تدعيم أركانها، وتثبيت قوائمها، فقد نالت الجمعية من عطفه وعنايته ما يجعلها حتى اليوم تُشيد بذكره وفضله. وستظل أعماله الجيدة، وخدماته الجليلة ماثلة في العقول والأذهان، لا يمحوها مر السنين، ولا كرُّ الأعوام -طيب الله ثراه، وجعل الجنة مثواه-.