للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القمع الواسعة التي قام بها هذا السفاح في سوريا ولبنان، والتي أعدم فيها عدداً كبيراً من رجال الوطنية والفكر في كلا البلدين (١)، وكانت التهمة الموجهة للشيخ الخضر هي: أنه كان على علم بالحركة السرية المعادية للأتراك، والتي كان الأحرار من زعماء سوريا ولبنان ينظمونها ضد الاحتلال والحكم التركي لبلادهم. وقد مكث الشيخ الخضر في السجن مدة ستة أشهر وأربعة عشر يوماً، "وكان في زنزانة واحدة هو والأستاذ سعدي بك الملا، الذي تولى رئاسة الحكومة اللبنانية بين الحربين العالميتين" (٢)، ثم قدم للمحاكمة، فثبتت براءته، وأطلق سراحه.

ولم يكن الشيخ الخضر في سجنه يشعر بأي خوف على حياته، فهو يعتقد من ناحية أنه بريء، ومن أخرى هو يعلم أنه إن قتل كغيره من العلماء العرب، فإنه سيموت شهيداً في سبيل الإسلام، ولم يكن يؤلمه شيء في السجن سوى أنه لا يجد قلماً ولا ورقاً ليسجل خواطره، ويكتب أفكاره وأشعاره، وفي هذا وذاك يقول الشيخ الخضر:

غلّ ذا الحبس يدي عن قلمٍ ... كان لا يصحو عن الطرس، فناما

هل يذوذ الغمض عن مقلته ... أو يلاقي بعده الموت الزؤاما

أنا لولا همةٌ تحدو إلى ... خدمة الإسلام آثرت الحِماما

ليست الدنيا وما يقسم من ... زهرها إلا سراباً أو جَهاما

وكان خروج الشيخ الخضر من السجن في الرابع من ربيع الثاني عام


(١) راجع عن ذلك: "البلاد العربية والدولة العثمانية" لساطع الحصري.
(٢) مجلة "الأزهر" (مجلد ٢٩ ص ٧٤٠).