نبي من الأنبياء بخلق أو عمل أو حكمة أو منزلة، دون أن يذكر من أمر دعوته شيئاً، فُهم أن ذلك الخلق لا يتصل إلا بأمر دعوته.
هل يكفي صاحبَ المقال في التخلص من الآيات الواردة في خلق عظيم، أو حكمة بالغة، أو منزلة سامية أن يكون لذلك الخلق أو الحكمة المنزلة صلةٌ بالدعوة؟ وأنّى له ذلك وهو يقول على وجه الحصر:"إن المقصود من القصص إنما هو الاعتبار بما أصابهم في سبيل الله، وما احتملوه من أذى وبلاء في طريق الدعوة"، وليس كل ما يتصل بالدعوة فيه اعتبار بما أصاب في سبيلها!.
ثم إننا نرى القرآن قد يصف بعض الرسل بخصال لا صلة لها بالدعوة، ولا بما يلاقيه الرسول في سبيلها؛ كما قال الله تعالى في حق يحيى - عليه السلام -: {وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا}[مريم: ١٤] , وبرُّ الوالدين عمل صالح يقوم به الرسول وغيرُ الرسول من النّاس الطيبين، وواجب على من تكون له دعوة، ومن لم تكن له دعوة.
وحاول أن يجيب عن الآيات الواردة في المعجزات والأحكام، فلم يزد كذلك على أن قال:"إنها تتصل بأمر الدعوة"، ولو قال: إني ذهلت في استعمال صيغة الحصر إذ قلت: "إنما هو الاعتبار بما أصابهم في سبيل الله"، أو نسيت أن صيغة "إنما هو" تفيد الحصر، لقلنا: كلنا يذهل، وكلنا ينسى، ولكنه قال ذلك، وزاد عليه قوله:" فليس للكاتب حق أن يذكر مثل هذا إلا أن يكون ممن يريد المغالطة؛ ليشوه آراء قد لا يحب لأشخاص أصحابها أن يكون لهم رأي جميل"، وعذره في هذا المزيد: أنه حريص على أن يكون رأيه في التفسير نافذاً.