ولذا، فقد كان يلتمس في الدعوة إلى الحق والثورة على الباطل، وإنارة سبل الإسلام، غذاء حياته، وراحة نفسه، تماماً كأي شخص يبحث عن هذه الراحة في لقمة الطعام، وجرعة الشراب، وأسباب الدنيا. .
ويبدو أنه -رحمه الله- لم يكن ليشفي غلة نفسه أن يخدم الإسلام من الطريق التي يسلكها معظم أمثاله من الشيوخ والعلماء فقط، فشق أمامه كل طرق الفكر والفنون، وجندها كتلة واحدة مجتمعة لخدمة الإسلام والعالم الإسلامي. فلقد خدم الإسلام أديباً لامعاً، وجاهد في سبيله كاتباً مبدعاً، وتصدى لنصرته عالما من أفذاذ علماء التشريع وأصوله، وكان أروع قرين له في كل ذلك إخلاصه القوي الغريب.
لقد تناوبته مراحل مختلفة متتالية من صور الحياة، وهو عند كل مرحلة منها لا يلقي عصاه إلا ليتخذ منها ميداناً للجهاد الدائب في إخلاص راسخ لا يميله عنه شيء من زعازع الحياة ورياحها.
ابتدأت أولى مراحل جهاده على صفحات مجلة "الأزهر"، وكانت تلك المجلة إذ ذاك صوتاً إسلامياً مدوياً في شتى أطراف العالم، يخشع له العدو والصديق، ويهتز بتأثيره القاصي والداني، وكانت روح تلك المجلة متمثلة في شخصين عظيمين، لا يذكر أحدهما إلا وذكر معه الآخر، هما: الشيخ يوسف الدجوي، والشيخ محمد الخضر حسين. والذي استعرض شيئاً من كتابات هذين العظيمين في تلك المجلة يستطيع أن يتخيلهما في وقفتهما المناضلة المكافحة عن حوزة الإسلام وقدسيته ضد قوى كثيرة متألبة تهدف إلى خدشه والنيل منه.