وكانت المرحلة الثانية من حياته الدائبة المجاهدة هي تدريسه في كلية الشريعة بالأزهر. كان -رحمه الله- يحاول جاهداً أن يدخل إلى قلوب طلابه مع العلم روحه، وكان يجاهد أن يلصق الوسائل بالغايات؛ لكيلا يقف الأزهريون بعد تخرجهم في نهاية الوسائل ودون الغايات وإذا بهم أعضاء أشلاء، لها صورة الثمرة أمام الأبصار، وليس لها حقيقتها وطعمها.
وكان يأبى أن يوقع على الساعة التي يدرسها إذا امتلأت من أول دقيقة فيها إلى آخر لحظة بالتعليم والإفادة. ومعنى ذلك: أن الساعات التي كانت تذهب ببعضها فوضى الطلاب بسبب بعض الشؤون العامة أو الخاصة لم يكن يرضى أن يأخذ عليها أي أجر.
ثم أقلته الدولة بعد ذلك إلى منصب مشيخة الأزهر، فضرب أكبر مثل للتاريخ بالإخلاص والتفاني في العمل لمصلحة الأزهر والإسلام. وراح يضع المشاريع الإصلاحية لنهضته وتقوية دعائمه. . ولما لم يمكن لكل ما أراد أن يطبق، أبى إلا الاستقالة عن منصبه، معتذراً بأنه ليس من الوفاء للحق أن يملأ منصباً دون أن يملك أن يعطيه حقه.
ولكنه لم ينزل ليستريح، ولم يترك مشيخة الأزهر ليخلد إلى السكون، بل ظل واقفاً نفسه لخدمة الإسلام، والدفاع عنه في كل ما يمكنه من مجال.
عمل رئيساً للتحرير في مجلة "لواء الإسلام"، ولما تملكته الشيخوخة، ودبّ إلى أطرافه الضعف، ولم يعد يستطيع الدوام في مركز المجلة، استأذن من مؤسسها أن يتولى الكتابة لها، والإشراف على موادها في مكتبه في البيت، ولم يرض أن يأخذ بعدئذ لقاء عمله أي شيء، كان يرى أن رئيس التحرير