وظلّ مثابراً على الكتابة، وظل ماضياً في طريقه إلى الدعوة والجهاد الفكري، رغم ما آل إليه جسمه من الضعف، والحاجة إلى الراحة والسكون، ولكنه -كما قلت- لم يكن يفرق بين ألم روحه التي في جسمه، وألم الروح الإسلامية في هذه الأرض. لقد كان عليه لكي يستريح أن يرى المجتمع الإسلامي من حوله سعيداً هادئاً مستقيماً.
ولا أزال أذكر يوم عُدته في السنة الماضية في بيته في القاهرة، رأيته جالساً على مقعد إلى جانب مكتبه، وقد ذوى منه الشكل، وذابت معظم ملامح وجهه، وامتزجت -من الضعف- الكلمات بعضها في بعض على شفتيه، ورأيت -رغم هذا - قلماً يرتجف في يده، وأوراقاً مبعثرة على (طربيزة) بين يديه.
ولقد سألته -إذ ذاك- عن هذه الأوراق، فأجاب بصوت خافت، وكأنه يتجاهل العجز المتشبث به: بأنه مقال يكتبه للواء الإسلام.
فقلت: ولكن ألا تشعرون أن هذا يتعبكم، وأنكم بحاجة إلى شيء من الراحة في هذه الفترة؟
فأجاب -رحمه الله- بلهجة متواضعة لا أزال أذكرها:
- قلما أشعر بالراحة ساكناً بلا عمل. .
لا أحسب أن مثل هذا الإنسان يبعثه الله في العالم إلا عبرة للكسالى الخاملين الذين تلويهم النسمات، ويقعدهم التثاؤب؛ كي يؤوبوا إلى رشدهم، وتنخسهم مشاعر الخجل والحياء إن كانت فيهم مشاعر. .