مضطراً إلى الهجرة بنفسه فراراً من هؤلاء الذين حكموا عليه بالإعدام في تونس يسابقه جهاده، ورائعه ونضاله، فيمم وجهه شطر الديار المصرية، ليصبح له فيها شأن جديد. .
حضر السيد محمد الخضر حسين إلى مصر في وقت عصيب من تاريخها الفكري، وكانت الحاجة ماسة إلى كل رجل مثقف من رجال الدين قد فهم الشريعة فهماً صحيحا، يستند إلى الأصول من القواعد والأمهات من المراجع، مع مطاوعة سهلة للبيان النير المشرق، يوضح به للقراء ما التبس عليهم من أوجه الخلاف بين دعاة الإلحاد وأنصار الفكرة الإسلامية، هؤلاء الذين وُصفوا -فيما بعد- بأنصار القديم، ووصف خصوصهم بأنصار الجديد، كما حلا للدكتور طه حسين أن يسهب في ذلك ويزيد!
نعم، كان المخلصون من حماة الفكرة الإسلامية في غير الدوائر الدينية الرسمية كثيرين، ولكن وجود أمثال العالم المحقق الأديب المبين محمد الخضر حسين أمر ضروري، يحتم أن يقوم أحد أصحاب العمائم المستنيرة بالجهر بكلمة الإسلام فيما ران من شكوك، وما أذاعه أذناب الاستشراق من مفتريات!
وقد ملئ كتاب "الشعر الجاهلي"، و"الإسلام وأصول الحكم" بأقسى عبارات التهكم بالمعممين! فحق لأحدهم أن يقول فيجيد!
كانت سيطرة الثقافة الاستعمارية بعد الحرب العالمية الأولى مدعاة إلى إغراء براق بأوربا، وازدراء ناقم لأمجاد الشرق في رأيي من جهلوا الحق فضلوا عن سبيله، ومن عرفوا الحق مستبصرين، ولكنهم مالؤوا الباطل ليصلوا إلى الشهرة والجاه والزعامة الفكرية من سفاح دنيء لا يعرف معنى الشرف