العربية لجمال الدين بن هشام، بمحضر جماعة من أذكياء طلاب العلم بدمشق، وكان يرجع في تقرير المسائل المتصلة بالسماع والقياس إلى تلك الأصول المقررة والمستنبطة، فاقترح عليه أولو الجد من الطلبة جمع هذه الأصول المتفرقة؛ ليكونوا على بينة منها ساعة المطالعة، فألف مقالات تشرح القياس، وتفصل شروطه، وتدل على مواقعه وأحكامه، ومن هذه المقالات تألفت رسالة "القياس في اللغة العربية" التي أعاد عليها النظر بمصر". وهي -كما رأيتها- تجمع الأصول العالية في أحكام القياس والسماع، وتضم فصولاً عن شروط القياس وأقسامه، وقياس التمثيل، والقياس الأصلي، مع إيضاح الأمور المشتركة بينهما، هذا إلى أبواب في فضل اللغة العربية، ومسايرتها للعلوم المدنية، وحاجتها إلى المجتمع، وحاجة المجتمع إليها، وتأثيرها في التفكير، وتأير التفكير فيها! وغير ذلك كثير! فإذا أضفنا إلى رسالته عن القياس رسالته الأدبية في الخيال العربي، عرفنا جهد هذا الأديب، كما عرفنا من قبل مقام ذلك الفقيه!
أما مشيخته الكبرى للأزهر، فقد كانت دليلاً على أن الله لا يتخلى عن رجاله المناضلين، إذ يأبى عدله الرحيم أن يترك هذه الجهود المضينة في الدين واللغة والأدب تضيع بدداً دون تقدير مادي ملموس، فرأى الأزهر لعهده حلقة ذهبية من حلقات الكمال والجلال والوقار، وطفق الزائرون من كتاب وعلماء وصحافيين يتقاطرون على مكتبه، وكلهم يسأل عن أمور هامة في الإصلاح الديني، والتشريع الإسلامي، والتقدم الحضاري، فيجد الإجابة الرصينة السديدة يفوح بها شيخ الإسلام الدارس المستنير، ولكن أعباء السنين تتراكم على كاهله الضعيف، فيترك المشيخة معتكفاً محتسباً حتى يلبي نداء