من الوقت يصرفه في الدعوة، وأنه ليس بواجب على الله أن يكون الرسول من بعثه إلى وفاته داعياً، فإني أقول لهذا الكاتب: إن ذلك غير صحيح؛ فإن القرآن لم يحدثنا بمثل ذلك عن رسول من الرسل، ولو كانت الدعوة على ما يتصورها الكاتب كمعركة تنتهي بالغلبة أو الصلح، أو سفر ينتهي بالإياب، لما لبث نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً يدعو فيها إلى الله ".
لم أقل، ولم يقل المفسرون: إن أيوب - عليه السلام - قام بالدعوة حيناً، ثم تركها وقعد في بيته، أو أقبل على شأن آخر، حتى يكون مثلُ الدعوة مثلَ معركة تنتهي بالغلبة أو الصلح، أو مثل سفر ينتهي بالإياب. وعبارتي تمنع صاحب المقال من أن يتخيل أني أتصور الدعوة كمعركة أو سفر، ولست - بحمد الله - ممن يريد ضرب الأمثال، فلا يوفَّق في ضربها، والصورةُ الصحيحة لقصة أيوب - عليه السلام -: أن قوماً في جهالة وفوضى، أرسل الله إليهم رسولاً يدعوهم إلى العقائد السليمة، والأعمال الصالحة، فدعاهم ما شاء أن يدعوهم، ولا مانع عقلاً ولا شرعاً بعد هذا أن يبتليه الله بمرض، ثم يعود إلى الدعوة العامة مرة أخرى.
وإذا وسعت الحكمة وجود فترات بين الرسل - عليهم السلام -، فلم لا تسع وجود فترة قصيرة في أيام دعوة الرسول الواحد، ولا سيما فترة ظهرت لها حكمة سامية، وكانت موطن عبرة رائعة؟
ثم قال صاحب المقال: "وإني أتحدى الكاتب بأن يذكر لي رسولاً واحداً حدد الله له مقداراً من الوقت يصرفه في الدعوة، ثم يستريح بعد ذلك".
أما أن الله تعالى قد جعل لكل رسول مقداراً من الوقت يصرفه في الدعوة، فذلك أمر ثابت لا يحتمل الجدل بحال؛ فإن أيام بعثات الرسل