تختلف مقاديرها كما تختلف مقادير أعمارهم، فنوح - عليه السلام - بقي في الدعوة ألف سنة إلا خمسين عاماً، ومحمد - صلى الله عليه وسلم - بقي في الدعوة نحواً من ثلاث وعشرين سنة.
وأما قوله:"ثم يستريح بعد ذلك"، فكلام لم أقله، وقوانين المنطق تأبى زيادة أمثال هذه الكلمات التي لا تفهم من منطوق الكلام، ولا فحواه، ولا هي من مقتضياته، بل في كلامي ما يصرح بصحة أن ينقطع عن الدعوة العامة لمرض، ثم يعود إليها، فأين معنى الاستراحة بعد ذلك؟
حكى صاحب المقال في رده ما قلته من صحة أن يكون أيوب قد مرض، ثم عاد إلى الدعوة، وقال:"إن طبيعة الدعوة والإرشاد تقتضي الاستمرار والاطراد، وإن العقل يقضي بفساد هذه الصورة - يعني: الانقطاع عن الدعوة بمرض -"، وقال في الاستدلال على هذا الفساد المزعوم:"إن انتكاس المرض أشد من بدايته، وكذلك انتكاس الشعوب في المبادئ والتقاليد، ومن التفت إلى ميقات موسى، وأنه لم يغب عن قومه إلا لتلقي التوراة، ومع هذا، ومع استخلافه فيهم أخاه هارون، فقد انتقضوا عليه، وتركوا عبادة الله إلى عبادة العجل، ومن التفت إلى ما كان بعد موت رسول الله، مع أنه لم يمت إلا بعد أن أكمل الدين، وتمت السنَّة، ومع هذا، فقد ارتد كثير من القبائل إثر موته، وكثير منهم حاول منع الزكاة، من التفت إلى هذا، علم أن الدعوة ليس لها مدى تنتهي إليه، بل لا بد لها من تعهد مستمر، وتذكير مطرد".
قلنا: إن أيوب - عليه السلام - قام بالدعوة، ثم ابتلي بالمرض، ولم نقف على نصوص نعرف منها أن من قومه من اهتدى بدعوته قبل مرضه، فإذا فرضنا أنه لم يهتد به فريق منهم، فلا يقال: إن مرضه يفضي إلى انتكاسهم في