المبادئ والتقاليد، وإذا فرضنا أن من قومه من قبلوا دعوته، ونبذوا مبادئهم وتقاليدهم القديمة قبل مرضه، فإن مرض الرسول كغيبته وموته لا يقتضي بطبيعته انتكاس القوم ورجوعهم إلى الغي بعد الرشد.
وإذا انتكس طوائف من أقوام الرسل عند غيبة الرسول، أو بعد موته، فلأن الإيمان الصحيح لم ينفذ في قلوبهم، ولم يبلغ مبلغ اليقين من نفوسهم، والإيمان الراسخ يحفظ على الإنسان رشده، بل يوجِد منه هادياً يقوم مقام الرسول في مرضه، أو غيبته، أو بعد موته، وهل يستطيع صاحب المقال أن يثبت أن الفريق الذين اهتدوا بدعوة أيوب - عليه السلام - قبل مرضه من صنف القوم الذين ينتكسون؟ أليس من الجائز أن يكونوا من طبقة المؤمنين الذين لا يغير مرض الرسول أو موته شيئاً من رشدهم؟
كان صاحب المقال أورد على المعنى الذي ذهب إليه المفسرون وجهاً ثالثاً، فقال:"إنهم خرجوا بشأن أيوب عن شؤون جميع الأنبياء، وجعلوه بِدْعاً من الرسل؛ إذ المعلوم ضرورة: أن مصاب الأنبياء والرسل الذي يألمون له، ويضرعون فيه إلى ربهم، إنما هو إعراض قومهم عن دعوتهم، وصد الشيطان للناس عن سبيل الله"، وقال:"من المعلوم: أن كل نبي لا بد أن يصاب بتلك المصيبة؛ بشهادة قوله تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ}[الحج: ٥٢] ... إلخ الآية".
فدفعنا هذا: بأن المفسرين حملوا الآية على ما تدل عليه ألفاظها العربية، وحملوها على معنى فيه حكمة وعبرة، وأن اعتراض الشيطان لدعوة كل نبي لا يستدعي حمل كل آية وردت في قصة رسول على معنى هذا الاعتراض.
حكى صاحب المقال في رده هذا الذي قلناه، وحاول دفعه، فقال: