وأحمد الله أن صيحتي التي أذّنت بها في "الشروق اليومي" لم تكن صيحة في واد، ولم تكن نفحة في رماد، وَعَتهْا أُذُن خيرٍ واعية، هي: أُذُن (الجمعية الخلدونية) بمدينة "بسكرة" التي لم يثنها قلّة ما بيدها من إمكانات، وما يعترضها من مثبطات من عقد ملتقى دولي عن الإمام محمد الخضر حسين في أيام ٢٥ - ٢٦ - ٢٧ من هذا الشهر، وقد دعت إليه ثلّة من العلماء ومن الأساتذة من داخل الوطن، ومن خارجه؛ لاستعراض حياة هذا الإمام الغنية، ومناقشة جوانب شخصيته الثرية، فقد علم الله خيراً في هذه الجمعية، فأدّخر لها هذه المزية، وحتى لو وفّى من وعد بما وعد، فهي حائزة بالسبق تفضيلا، مستحقة الثناء الجميلا، ومن لا يشكر الناس، لا يشكر ربَّ الناس؛ كما صحَّ عن أخيَر الناس - صلى الله عليه وسلم -.
لقد استسمَنَتْني هذه الجمعية، فتكرمت بدعوتي للمشاركة في هذا الملتقى، وحَمَّلتني أثقالاً مع أثقالي، فعهدت إليَّ بتناول الكلمة، وحددت لي موضوعاً يقصر عنه باعي، ويضؤل أمامه متاعي، وهو:"الإمام محمد الخضر حسين مصلحاً".
إن احتفاءنا بهذا العالم الجليل وأمثاله، قديماً وحديثاً، والتذكير بجليل أعمالهم، والإشادة بجميل فعالهم، إنما هو للتأكيد على ما قاله الشاعر الفحل محمد العيد آل خليفة، وهو:
إنّ الجزائرَ لم تزلْ في نَسْلها ... أمّاً وَلوداً خصبةَ الأرحامِ
وإنها بلد الرأي الحصيف، لا بلد الرأي السخيف، وبلد الجهاد الشريف، لا بلد العمل العنيف، وبلد الشُّمِّ الأماثل، لا بلد الأراذل، فإن طفا هؤلاء