للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على حين غفلة من أهلها الكرام، فمثلهم كمثل الزبد الرابي الذي يحتمله السيل، لهم نَشَب (١)، وما لهم نسب ولا حسب، وسيذهب ذلك الزبد جُفاء، وأما الدرّ النفيس الذي ينفع الناس، فهو في الأعماق كامن، وسيجلّيه الله لوقته.

لقد علم الإمام محمد الخضر حسين، وآمن أن الله - جلّ وعلا - سائلُه يوم يقوم الناس: "ماذا عمل فيما علم؟ "، ولذلك ملأ حياته عملاً صالحاً، فما إن تخرج من جامع الزيتونة -أتمّ الله نوره- حتى راح يبلِّغ ما ورثه من ميراث محمد - صلى الله عليه وسلم - من علم نافع، وحكمة بالغة، وأوتي رشداً، فلم يقعد مع القاعدين، ولم يتخلف مع الخوالف؛ متعللاً بظاهر الآية الكريمة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة: ١٠٥]، بل عمل بما فَقِهه منها ثاني اثنين، صِدّيقُ هذه الأمة، الذي رُوي عنه: أنه قال في شأن هذه الآية: أيها الناس! إنكم تقرؤون هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}، وإنكم تضعونها على غير موضعها، وإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن الناس إذا رأوا المنكر، ولا يغيرونه، يوشك الله -عَزَّ وَجَلَّ- أن يعمّهم بعقابه" انظر: "تفسير ابن كثير" دار الأندلس (ج ٢ ص ٦٦٧).

ولهذا كان شعار الإمام محمد الخضر قوله:

ولولا ارتياحي للنِّضالِ عن الهدى ... لفتَّشتُ عن وادٍ أعيشُ به وَحْدي

لا يتسع المجال لتفصيل القول في آراء الإمام محمد الخضر حسين


(١) النّشب: المال والعَقَار.