يسعدني أن أكون بينكم في هذه المدينة لافتتاح هذه الندوة الدولية حول العلامة محمد الخضر حسين وإصلاخ المجتمع الإسلامي. هذه الندوة التي تنظمها الجمعية التونسية للدراسات والبحوث حول التراث الفكري التونسي، والتي تندرج في سياق سعي دؤوب انطلق منذ فجر التغيير المبارك بهدي من سيادة الرئيس زين العابدين بن علي، وسعي متصل الحلقات على درب تحقيق المصالحة، مصالحة التونسي مع مقومات هويته، ومع تراثه الإصلاحي السَّرِيِّ والثريّ.
ولا شك بأن بلادنا قد أنجبت أعلاماً أفذاذاً، ومصلحين روّاداً، كان لهم -منذ القدم- إسهام بارز في إنماء الثقافة العربية الإسلامية، وتغييرِ الفكر الإنساني. وإن المتتبع لتاريخ الأفكار، وللتاريخ الثقافي في تونس عموماً، يتبين -من خلال محطات هذا التاريخ ومناراته- خصوصيةَ المدرسة التونسية التي اتسمت على مرّ العصور بالنظر العميق، وبالرؤية المتزنة، وبالتيقظ المبكّر للقضايا المحورية والفكرية. وياستشراف منعطفات الصيرورة التاريخية، وبالانفتاح على الآخر، انفتاح التكافؤ والحوار، مع نبذ الانكفاء والانغلاق والتصادم والتعصب.
إن التراث الفكري الثري والمتنوع الذي أنتجته هذه المدرسة العريقة المتأصلة، جدير بأن يعكف عليه أهل العلم والبحث؛ نظراً وتحقيقاً وتمحيصاً وتحليلاً وتأليفاً؛ من أجل مزيد استكمال جوهره الثمين، وأبعاده المتعددة، ومن أجل تبيان تراكمية البناء في مراحله المتعاقبة، وتوجهات المنزع التنويري والتحقيقي الذي كان من أهم ثوابته؛ حتى يدرك الجيل الصاعد من المثقفين